19 ديسمبر، 2024 12:08 ص

المشكلة العراقية وحلها

المشكلة العراقية وحلها

عندما سقط النظام العراقي في عام 2003 بدأ العراق مرحلة جديدة في التحول إلى الديموقراطية إلا أن هذه الديموقراطية اُفسدت من خلال نظام المحاصصة الطائفية التي بنيت عليها الدولة العراقية حيث بدأت الاحزاب تتشكل على أساس الطوائف الموجودة في العراق مع إهمال جانب الخبرة والمهنية متخيلين أن هذه هي الديموقراطية على الرغم أنها ليست كذلك الامر الذي أدى إلى تقاسم مؤسسات الدولة على أساس المحاصصة الطائفية مما خلق دولة قائمة على أسس غير سليمة قابلة للانهيار في أي لحظة بدلا من بناء دولة المؤسسات الثابتة والمستقرة وهنا نعني الطوائف الرئيسية الثلاث في العراق وهم الاكراد والسنة والشيعة حيث بدأت هذه الطوائف أو بشكل أدق الاحزاب التي تمثلها بالصراع فيما بينها على كل شيء تقريبا في العراق ولكن إذا نظرنا عن قرب نجد أن الصراع في العراق يدور على السلطة أي على شكل الحكم ونظامه .

وهذا الصراع ينحصر بين السنة والشيعة بشكل رئيسي أما الأكراد فيتمتعون بنظام الحكم الذاتي في أقليم كردستان الشبه مستقل والذي يديروه بأنفسهم مع إمتلاك نفوذ وتمثيل معين في بغداد . لذا فإن الصراع ينحصر بين السنة والشيعة وسبب ذلك أن نظام الحكم قائم على مبادئ وأسس دينية ويدار من قبل أحزاب دينية ولأن الدين مقسوم إلى مذهبين سني وشيعي لذلك لايمكن إقامة نظام حكم ديني دون الأنحياز إلى مذهب دون الأخر فإما أن يكون الحكم على أساس المذهب السني أو الشيعي ولايجوز الإثنان معا مما يعني تعرض المذهب الأخر للظلم إلا إذا تم توحيد الدين وإنهاء الإنقسامات المذهبية فيه . أما فكرة الحكومات الإئتلافية التي يؤمن بها البعض فهي ليست أكثر من فكرة خيالية أثبتت فشلها عبر السنوات العشرة الماضية بالإضافة إلى أنها حكومات ضعيفة وغير مستقرة وفيها الكثير من المشاكل والعراق الأن بأمس الحاجة إلى حكومة قوية ومستقرة وثابتة .

لذا لاينبغي إقامة حكم ديني في العراق وبدلا من ذلك ينبغي إقامة نظام حكم علماني صرف بعيد عن الدين ولايمد إلى الدين بصلة ويكون حلقة وصل بين السنة والشيعة وبقية الطوائف في العراق دون الانحياز إلى طائفة دون أخرى وإخراج رجال الدين والأحزاب الدينية السنية والشيعية من الدولة ومؤسساتها مما يعني وقوف الدولة على مسافة واحدة من الجميع فالصراع بين السنة والشيعة على الحكم يمكن أن يحل من خلال نظام حكم على أساس علماني لايمد إلى الدين بصلة فوقتها لن يحكم السني ولا الشيعي ولن تكون الدولة سنية أو شيعية بل ستكون دولة علمانية ولن يظلم أحد . ولكن قد يقول البعض إن السنة هم الاغلبية أو أن الشيعة هم الاغلبية لذا فالدولة تحكم من قبل الاغلبية وهذه الفكرة هي فكرة أنانية فبصرف النظرعن من يكون الأغلبية فإن العراق ليس ملكاً للسنة فقط أو للشيعة فقط بل هو لجميع العراقيين بمختلف أديانهم وطوائفهم ومذاهبهم فالغاية هي إيجاد حلقة وصل ونقطة مشتركة بعيدة عن الدين بين السنة والشيعة وبقية الطوائف أيضا تحفظ حقوق الجميع دون ظلم أي طائفة سواء أكانت سنية أو شيعية أو أي طائفة أخرى .

وبالتالي فإن علمنة الدولة ستؤدي إلى إنهاء الصراع الديني في العراق بين السنة والشيعة لأن العلمانية ستكون حلقة الوصل والنقطة المشتركة بينهما فهي لاتعترف بدين أو مذهب ولاتنظرإلى الناس على أنهم شيعة أوسنة أو مسيحيون ولن تنظر إلى دين الفرد أومذهبه أو تتعامل معه على هذا الأساس بل ستنظر إلى الناس على أنهم عراقيون ينتمون إلى وطن واحد أسمه العراق وتتعامل مع الجميع بشكل متساوي دون ظلم أي أحد وتحفظ حقوق السنة والشيعة وبالتالي إنقاذ العراق وشعبه من التقسيم على أساس ديني إلى دولتين سنية وشيعية ودخوله في حرب أهلية طاحنة بالإضافة إلى الصراع الذي سينشب على تقاسم الاراضي والثروات الموجودة وإن الخاسر الوحيد في هذا الصراع الديني هما السنة والشيعة والرابح الوحيد هم أعداء الإسلام والعراق الذين جعلوا المسلمين والعراقيين يقتلون بعضهم البعض .

إن العراق يعيش في حالة من الأزمات المتعاقبة منذ عام 2003 ومع مرور الوقت تزداد هذه الأزمات تعقيداً والعراق الأن في ضل الازمة الراهنة (أزمة داعش) في أقصى درجة من التفكك وكل ذلك بسبب الصراع الديني في العراق لذلك أمام الشعب العراقي خياران إما أن يتم تقسيم العراق على أساس ديني إلى دولتين سنية وشيعية كنتيجة للصراع الديني الذي يعانيه أو أن يتم حفظ وحدة العراق وحقوق شعبه من سنة وشيعة وبقية المكونات من خلال علمنة الدولة وإقامة نظام علماني صرف بعيد عن الدين يقف على مسافة واحدة من الجميع .