18 ديسمبر، 2024 9:20 م

المشكلة اجتماعية وليست فكرية

المشكلة اجتماعية وليست فكرية

اذا كانت الاحزاب الدينية فاشلة لانها انتجت فسادا واستهتارا في بناء الدولة كما يتفق على ذلك الكل فليس لان فكرها هو السبب الحقيقي فيما حصل بل السبب اعمق من ذلك ويتعلق بثقافة وطبيعة التشكيلات السياسية في عالمنا العربي والعراقي بصورة خاصة.
مراجعة الى التاريخ القريب تثبت بان التيارات القومية العلمانية انتجت دمارا رهيبا والامر لا يحتاج الى استدلال فالوضع في سوريا،مصر، ليبيا، العراق، اليمن، تونس، والجزائر اوضح من الواضح. دكتاتوريات تحكم بالحديد والنار وقمع لا مثيل له وبالمقابل الشعب انتهى به الوضع الاقتصادي الى حد يقارب المجاعة في اغلب هذه الدول.
وعندما اطيح بهذه الانظمة لم تحل المشكلة الرئيسية رغم بعض التغييرات فقد استبدلت الدكتاتورية وسلطة الخوف بالفوضى، ورغم ما قد حصل من تغييرات اقتصادية في بعض البلدان نحو الافضل اذ لا يمكن انكار تحسن الوضع الاقتصادي والسياسي بامتلاك حرية نسبية في التعبير عن الرأي والمعارضة الا ان امال الشعوب العربية في الاستقرار السياسي والاجتماعي وسيادة القانون لم تجد لها مكانا حقيقيا وهذا هو ما سبب لها احباطا كبيرا.
التيارات التي تدعي المدنية والعلمانية الان ترفع شعارات لتوحي انها البديل المناسب والحل لكل المشاكل كما كان يرفع الاسلاميون شعار الاسلام هو الحل واصبح الشعار الرائج الان “الدولة المدنية هي الحل” والعلمانية هي الحل والالحاد ومعاداة الدين هو الحل. السؤال كيف لنا ان نتأكد من صحة دعاويهم وان لا نقع في الفخ الذي نصبه لنا الاسلاميون؟ أليس بمراجعة سلوكهم الحالي هو اسهل الطرق لنكتشف نواياهم الحقيقية؟
لو اننا كنا قد راجعنا سيرة وسلوك زعماء وقادة الاحزاب الاسلامية وغيرهم من المعارضة ولم نندفع وراءهم لانهم معارضة فقط لما كنا قد ورطنا انفسنا بهذه الورطة ولو اننا راجعنا دور امريكا والغرب الاستعماري في كل مكان مر عليه بدعوى تحرير الشعوب لما اصبحنا في هذا الوضع المزري. واذا كنا قد اخطأنا مرة فلماذا لا نحاول تجنب الخطأ، لان الوقوع بالخطأ لاول مرة ليس بامر معيب جدا، ولكن تكرار الخطأ هو المعيب والاكثر خزيا عندما نصر عليه، لا بل نجعل الخطأ هو الصواب والسبيل الوحيد للنجاة.
تعالوا لنراجع منتجات التيار العلماني المدني السياسي في العراق كنموذج ولنتعرف على منتجاته وتذكروا انه لا يزال في طور المعارضة بمعنى لم تتكشف حقيقة معدنه كثيرا وتذكروا ايضا ان كل ما ترونه من قيادات سياسية لاحزاب اسلامية كان يعد نماذج رفيعة في طور المعارضة ولم يتناول احد بالسلبية اي من شخوصها الا بمقدار يسير لا يعتد به؟
التيار المدني في العراق واكرر السياسي منه وليس المفكرين والمؤمنين به حتى لا يحصل اي خلط به لان المدنية كفكرة امر محترم وربما اكثر رقيا من اي اطروحة اخرى اذا جاءت بمعنى احترام اراء وعقائد الكل بلا تمييز ولانها فكرة انسانية وليست ايدلوجية كما يحاول البعض ان يحورها ويحيدها عن مسارها الحقيقي.
انتج لنا التيار المدني الديمقراطي السياسي اياد علاوي داعية العلمانية الاول وهل اياد علاوي يحتاج الى دليل لاثبات فشله وعدم جدواه على كل الصعد. اشهر قصيرة في الحكم انتجت لنا اكبر فضائح من نهب الاموال العامة اذا كنتم لا تزالون تذكرون ايهم السامرائي وحازم الشعلان والمليارات التي سرقت علنا جهارا وهما اول واكبر سرقتين في تاريخ العراق بعد 2003.
وهل يقدر احد ان ينكر ان اول من سن قانون راتب تقاعدي بكامل المخصصات 80% للدرجات الخاصة ولو كانت مدة خدمته يوم واحد هو اياد علاوي حين كانت السلطة التشريعية والتنفيذية بيده حينما كان في موقع رئاسة الحكومة المؤقتة بهذه الصلاحيات الواسعة. وان في زمنه ظهرت بدعة مستشاري الحكومة من الاقارب والاصدقاء؟ مجلس النواب والجمعية الوطنية تلقفوا الفساد الذي اسسه علاوي في التمايز الطبقي وكرسته الحكومات المتعاقبة الا ان ذلك لا يلغي السيئة التي اقترفها العلماني اياد علاوي والتي اسس لها بقصد وعمد؟
واذا تجاوزنا علاوي وامثاله ممن قد لا يعد ويحسب على التيار المدني الان، رغم انه كان خيارا رئيسيا مفضلا عندهم واملا معقودا عليه في تصحيح الاوضاع لو تمكن من العودة للحكم ثانية. ومع ذلك لنتجاوزه ونقدم امثلة اخرى اكثر وضوحا.
فاز التيار المدني بثلاثة مقاعد في انتخابات 2014 وهم فائق الشيخ علي وشروق العبايجي ومثال الالوسي ولن اعدد مساوئ ادائهم الفاشل لا بالامتيازات التي لم يتنازلوا عنها ولا بالقضايا السخيفة التي دافعوا عنها انما استشهد باشهر ناشط مدني وهو جاسم الحلفي حين قيم ادائهم معترفا نادما بانه لن يكرر ترشيحه لهم لو سنحت له الفرصة لفعل ذلك. وعاد التيار المدني ليقدم لنا وجها جديدا اسمه محمد علي زيني كل ما فعله هو رئاسة البرلمان في جلسة واحدة وسكن في فندق الرشيد على حساب الاموال العامة وبعدها اختفى ولم نعد نسمع له حسا ولا خبرا حتى صار مصداقا لطرفة شهيرة ان الرجل لم يرشح للانتخابات الا من اجل ان يوفر تكاليف جنازته لا غير من امتيازات مجلس النواب.
اذا كان التيار المدني وهو في طور المعارضة حين تتغلب الشعارات البراقة على الحقيقة المرة قد قدم لنا هذه النماذج الفاشلة البائسة فماذا سيفعل بنا اذا تسلم الحكم واخرج لنا كل نتانته وقذارته كما فعلت الاحزاب الاسلامية من قبله وللعلم ان المعارضة الاسلامية كانت انصع وجها من هذه الوجوه المدنية البائسة ومع ذلك اخرجت لنا كل هذا الفشل فلنتخيل ماذا سوف يحصل لو جاء التيار المدني السياسي بهذه التركيبة وتسلط على اموال ومقدرات البلد؟ ولن احدثكم عن حرية الزواج المثلي والدعوات الغربية التي يتبناها هذا التيار في مجاراته لامريكا ولن احدثكم عن التطبيع مع اسرائيل ولا ان تصبح انظمة رجعية متخلفة كانت وما زالت ضد صوت الشعوب انظمة حليفة يحج اليها ويزار. ولن احدثكم عن تحالفاته السياسية مع اكثر القوى الدينية تطرفا وتعصبا ولن احدثكم عن دفاعه او سكوته عن حكومة العشائر في كردستان. اتركه لحصافتكم للتدقيق في واقعه للتنبؤ بمستقبله.
انما اريد القول ان المشكلة ليست بان تؤمن بوجود الله او تنكره ولا ان تكون اسلاميا او علمانيا ولا يساريا او يمينا ولكن المشكلة اجتماعية ثقافية بان تكون نزيها صادقا في حب الاخرين والوطن وليس باحثا عن موقع وصله غيرك وكل همك هو الاطاحة به لاجل ان تحل محله وفي اثناء حملتك للاطاحة به تتاجر باسم الدين والعلمانية والمدنية والديمقراطية والاشتراكية والليبرالية والقائمة تطول من الشعارات المستهلكة؟
مشكلتنا اجتماعية وتتعلق بطريقة تفكيرنا وحكمنا ومعارضتنا نتاج لثقافتنا اما الافكار فيمكن ان يكون بها الشخص نبيا كما يمكن ان يكون دجالا والامثلة كثيرة جدا في التاريخ القريب منه والبعيد وايضا في زمننا المعاصر.