17 نوفمبر، 2024 1:28 م
Search
Close this search box.

المشروع الوطني لتشغيل المواطنين من ( العاطلين )

المشروع الوطني لتشغيل المواطنين من ( العاطلين )

تشير الإحصاءات ( المتداولة ) بان متوسط النمو السكاني في العراق يبلغ 2,5 % سنويا ( 2%- 3% ) ، ويعني ذلك إن عدد السكان يزداد سنويا بمعدل مليون نسمة على أساس أن عدد السكان الحالي 40 مليون ، وهذا العدد لم يخلقه الباري عز وجل لكي يكونوا أفواها تأكل وتشرب فحسب وإنما هم نعمة من سبحانه وتعالى ليكونوا موردا بشريا ، وهو من أهم الموارد في الكون أي إنهم من قوة العمل بمختلف مجالات الحياة ، وعلى افتراض إن نصف هؤلاء لديهم الاستعداد للعمل فالمفروض أن تتوفر لهم فرص ليعملوا بمختلف القطاعات لكي يقوموا بدورهم البشري في ديمومة الأرزاق ، ولكن واقع الحال يشير إلى إن نسبة مهمة من النصف مليون لا يجدون فرص للعمل لذا يصنفون كونهم من العاطلين ، فالعاطل حسب وصف الأدبيات هو الفرد ( ذكر او أنثى ) ممن لديه الرغبة والقدرة على العمل لقاء اجر ولكنه لم يجد أية فرصة رغم ما يبذله من جهد في البحث عن الأعمال ، ورغم إننا لا نمتلك أرقاما دقيقة تخص عدد العاطلين في البلاد فان التقديرات تشير لوجود أكثر من 3 ملايين عاطل عن العمل ممن لا يتمتعون بأي اجر مستمر من جهدهم كعاملين ، وقد تم الاستثناء من هذا الرقم الأعداد الأخرى التي تعمل بأية وسيلة لأجل العيش خارج القدرات والاختصاص ، وهو ما يؤشر وجود مشكلات حقيقية لان الأرقام التي اشرنا أليها قابلة للزيادة كل عام سواء من غير الدارسين او خريجي الثانويات والمعاهد والكليات او من أصحاب الحرف والمهن بمختلف الأنواع ، وحسب التوجهات الاقتصادية الريعية التي لا تزال سائدة في البلد فان فرصهم في ولوج الأعمال تضعف يوما بعد يوم نظرا لزيادة عددهم من جهة وعدم توالد فرص العمل لاستيعاب المزيد ، والبعض من هؤلاء يعولون على العمل في القطاع الحكومي وان كان لا يوفر الأجر العادل في كل الحالات ، ولكن هذا القطاع لا يمكنه استيعاب المزيد كونه يعاني الترهل والبطالة المقنعة ، لدرجة أن الدولة وبعض ما يرتبط بها من الجهات تعدهم عبئا ماليا على مجمل النفقات ، لذا تتكرر مواد في قوانين الموازنة الاتحادية سنويا تنص صراحة على إيقاف التعيينات وتجميد الحذف والإحداث وحركة الملاك ، ومع إن العدالة غير مطبقة في بعض التعيينات الجارية من خلال الأحزاب والفساد في الخفاء إلا إنها لم تحل المشكلة بسب حجمها وما تحتاجه من نفقات .
وبعيدا عن الأمنيات والأكاذيب والأحلام ، فان الوضع الحالي في إدارة اقتصاد البلد بمختلف القطاعات غير قادر على معالجة مشكلات البطالة وإيجاد فرص عمل لاستثمار ما يملكه البلد من الموارد البشرية لا في هذه الأيام ولا في القريب العاجل خلال القليل القادم من السنوات ، كما إن الأرصفة والشوارع لم تعد تتحمل مزيدا من البسطيات والتجاوزات لان الوحش الأصفر و( الخاوات ) تقف لهم بالمرصاد ، كما إن فرص العمل بالسيارات الأجرة كسواق تتضاءل نظرا لكثرة عدد السيارات والتزاحم الكبير على الأرزاق ، وينطبق الحال نفسه على الأسواق والمولات والمتنزهات وغيرها من الأماكن لان العمالة الأجنبية رخيصة الأجر تشغل كثيرا من الفراغات ، ونضيف لذلك كله بان قطاعات الأعمال في العام والمختلط والخاص تعاني العديد من المشكلات التي تجعلها بحالة من التراجع او الوقوف عند ما هو عليه الحال ، ومن يعول على الهجرة للخارج سرعان ما يصاب بالإحباط نظرا لبيروقراطية ومزاجية الاختيارات ومحدودية الخيارات ، وهو ما يتطلب إيجاد حلول ومعالجات معقولة وفاعلة لتشغيل العاطلين الراغبين والقادرين على العمل الذين وصلت إعدادهم للملايين ، فالبطالة مرض مجهول التفاعلات وتنقل الكثير من الفيروسات للجوانب النفسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية ، لان العاطلين لهم متطلبات واحتياجات ومن حقهم كبشر أن يعيشوا الواقع بكرامة وان يمتلكوا ويحققوا الأحلام والتطلعات ، والانتظار لحلول آنية او قادمة في الحصول على فرص للعمل تتصدق بها الحكومات من خلال مجلس الخدمة او ( المالات ) لا يجدي نفعا ، والعمر يمر ومع مروره تهدر اجزاءا مهمة من المهارات والقدرات بالتقادم كما تنخفض دافعية الانجاز كرد فعل عن حالات الإحباط ، ويعني ذلك من الناحية العملية أن على العاطلين وممن سينضم لاحقا إلى جيوشهم ، أن يجدوا الحلول المناسبة لمشكلاتهم بأنفسهم ومبادراتهم بإيجاد فرص عمل لهم توفر لهم العيش الكريم ويمارسون فيها جزءا او كل من مهاراتهم وتخصصاتهم دون منة وصدقة من الآخرين ، ومن الطرق المتاحة بهذا الخصوص هو استبعاد فكرة مكرمة التعيين لان احتمالاتها ضعيفة او معدومة بعد أن أصبحت الدولة تبحث عن مخارج لأزماتها التي تتفاقم وعجزت عن حلولها منذ سنوات وعقود ، والحل الممكن لإيجاد فرص العمل في ظل الواقع الحالي هو ولوج المشاريع الصغيرة والمتوسطة بعدما أثبتت مئات المشاريع الحكومية والأهلية الكبيرة فشل الكثير منها في عدم قدرتها على المنافسة وتغطية التكاليف .
وفكرة هذه المشاريع تتطلب بان يتفق مجموعة من الراغبين بالعمل على تأسيس مشاريع صغيرة او متوسطة الحجم بحيث تكون ملكيتها للمجموعة نفسها او بمشاركة ممول يتم الاتفاق عليه ، وكل مجموعة من الممكن أن يكون عدد أفرادها 3 فأكثر ، ولا يشترط أن يجمعهم التطابق في العمر والاختصاص وإنما ما يتطلبه المشروع من قوة العمل عقليا وبدنيا ، والمجموعة يمكن أن تتكون من أفراد متقاربين من الأصدقاء او الزملاء او أبناء الحارة ويستقطبون إليها ممن باستطاعتهم تكوين بذرة العمل ، والبذرة هي عبارة عن فكرة ممزوجة برغبة لا نشاء مشروع يمكن أن يكتب له النجاح أن تحول للواقع الفعلي ، من خلال فكرة غير مطروقة سابقا او من خلال تقليد الموجود حاليا ( مع الإضافة او التحديث ) او القدرة في منافسة المستورد من السلع والمنتجات مع بعض التحوير لميزات ومزايا تلاءم الأذواق والاحتياجات للجمهور المستهدف ، ليكون قارا على المنافسة في الأسواق من خلال الترويج والتسويق ، وليس بالضرورة أن تكون فكرة المشروع مادية وتتعلق بإنتاج سلعة او منتج وإنما يمكن أن تكون بما يلبي الطلب والاحتياج ويتوافق مع مهارات وقدرات الأفراد في المجموعات ، كأن تكون أفكار تسويقية او محلات وورش خدمية او مكاتب لانجاز الأعمال والاستشارات بمختلف الأنواع والأشكال ، والمهم في الموضوع أن تناقش الفكرة بجدية وانفتاح من حيث جدواها وجودتها وتقدير مدى إمكانية تطبيقها ونجاحها وما تحتاجه من مواد وأجهزة ومستلزمات إلى جانب التكاليف وما يمكن أن تحققه من إيرادات والعمر الذي يمكن أن يبقى به المشروع وماذا يتطلب لتطويره في المستقبل بعد أشهر او سنوات ، ويشترط أن تكون الفكرة لكل مشروع عملية في بداياتها وان تخللتها أحلام وطموحات في المستقبل و من المهم أيضا أن يتم التفاهم على إزالة او تقليل التعارض تدريجيا بين أفراد المجموعة الواحدة ويمكن أن تنشأ علاقات واتصالات مع المجموعات المترابطة للوصول إلى تفاهمات من الممكن أن تحول الموضوع للحياة ، وفي المرحلة التالية تتم صياغة تلك الأفكار على الورق او من خلال وضع نموذج (Model ) ويتم تجميع ما كتب بصيغة حسابية لتحويلها إلى أرقام لصياغة الجدوى الفنية والاقتصادية للمشروع ، من خلال الاستفادة من خبرة ومواهب الموجودين او استعارة خدمات الأصدقاء والمعارف او من خلال البحث في برامج الحاسبات والمواقع او (اليوتيوب ) او غيرها من الأساليب الممكنة والمناسبة بهذا الخصوص ، وإذا كانت دراسات الجدوى للمشروع واقعية وصحيحة فإنها ستظهر مدى إمكانية نجاحه وإخراجه للوجود وتكاليف الإنشاء والتأسيس ونفقات التشغيل وجدول التدفقات النقدية التي تشمل مجمل التكاليف والإيرادات المتوقعة والإرباح والخسائر ، بحيث تتاح إمكانية التغيير على تلك الدراسات ومراجعتها للوصول إلى أفضل الحلول قبل التطبيق ، والمرحلة الأخرى تتطلب البحث عن مصادر تمويل المشروع وخيارات المجموعة بهذا الخصوص فضلا عن الوسائل التي تستخدم لتسويق المشروع والبدائل الملائمة للوصول إلى أهداف الجدوى فعليا .
ولأن مثل هذه المشاريع تدخل ضمن الاهتمامات الوطنية والاقتصادية والإنسانية باعتباره ( مشروع وطني لتشغيل المواطنين من العاطلين ) عن العمل الحاليين والمتوقعين وتحتاج إلى تكاليف وتسهيلات ، فان الجزء الثاني من هذه المقالة سنخصصه لعرض وجهات النظر للدعم والتشريع والإسناد وخيارات التمويل وسنوافيكم به لاحقا ، وسيكون من دواعي السرور طرح تعليقاتكم وآرائكم بما تحتاجه هكذا مقترحات لتبصر النور بالفعل .

أحدث المقالات