23 ديسمبر، 2024 1:52 م

المشروع الامريكي ونظرية التوازن في المنطقة والورقة البعثية

المشروع الامريكي ونظرية التوازن في المنطقة والورقة البعثية

المقدمة : السلوك الاستعماري الامريكي في المنطقة وخاصة تجاه العرب كمحور رئيسي للهدف الامريكي لم يكن غريبا او مفاجئا او استثنائيا , بل هو امتداد للمشروع الاستعماري القديم ما قبل الحرب العالمية الاولى عام 1914 . بقيادة بريطانيا وفرنسا ومن يواليهم ويتحالف معهم . بعد تضائل قوة الدول الاستعمارية الرئيسية نتيجة الحربين العالميتين الاولى والثانية واستنزافها لعوامل وثوابت قواهم الاقتصادية والعسكرية والبشرية , ادت الى ظهور قوة قوية جديدة ” كقيادة استعمارية ووريثة ” هي الولايات المتحدة الامريكية تقود الاستعمار في العالم وحريصة على تنفيذ مضامينه واهدافه القديمة في السيطرة والاستحواذ على المصادر والمرتكزات لدول العالم مثل الثروات الطبيعية والاسواق والمواقع الاستراتيجية الجغرافية الطبيعية ” الجيوبوليتيك ” موانئ وقنوات وانهار وممرات برية وجوية .

المنطقة العربية الهدف المركزي للمشروع الاستعماري القديم والحديث والذي يحضى بالاهتمام الفائق لدول الاستعمار لتوفر ما ذكرناه آنفا فيها . معلوم للجميع اسباب ونتائج الحرب العالمية الأولى والتطورات السريعة المتلاحقة التي ادت الى الحرب العالمية الثانية الحاسمة للسيطرة الاستعمارية العالمية وتنفيذ او الاستمرار في تنفيذ وتحقيق السيطرة على المنطقة العربية بعد تجزئتها جغرافيا واغتصاب فلسطين وتوطين اليهود فيها . وجعلها ” قاعدة عسكرية سكانية عدوانية محسومة الولاء لدول الاستعمار ” بعد الرفض الشعبي العربي العام لهذا الاغتصاب العدواني واستمرار الصراع وتطوره واصرار الشعب العربي على رفضه . ونمو عوامل القوة والاقتدار المتصاعد المستمر لصالح العرب نتيجة التطور المجتمعي الحضاري العلمي والعسكري والاقتصادي والنمو السكاني . واجهت الدول الاستعمارية الصعوبة في الاستمرار في تنفيذها لمشروعها ” اللصوصي الخبيث ” واستمرارها في حالة صراعها والحفاض على قاعدتها ” اسرائيل ” بشكل آمن كونها معرضة للزوال نتيجة العوامل التي ذكرناها .

بروز قوى عربية لها تأثير فاعل في مجال الصراع . اجبر دول الاستعمار وعلى رأسها امريكا وبريطانيا وفرنسا على انشاء وخلق قوى اضافية لاستخدامها في هذا الصراع وابرزها واهما ” الخمينية في ايران ” علاوة على اسرائيل ” بعد حسم موضوع مصر وادخالها في ” متاهة ” السلام مقابل الارض ومحسومية دول الخليج وعلاقتها الاستراتيجية بالولايات المتحدة الامريكية بقيت هناك مرتكزات قوية متفاوته في القوة والرأي والقرار . أهمها (( العراق )) ففرضوا عليه الحرب من الطرف الخميني فلم يتمكنوا من نهاية النظام واسقاطه كونه مرتكز مهم في حالة الصراع القائمة الممكن تطورها واتساعها لصالح العرب والمصلحة العربية . بعد فشل دول الاستعمار ” امريكا وبريطانيا وفرنسا واسرائيل المسنودة من الرجعية العربية ” في هذه القضية المهمة والخطرة .

كان القرار الاستعماري الخطير . احتلال العراق بشكل مباشر . فقامت امريكا و33 دولة بهذا العمل الخطير في احتلال العراق وتسليمه لايران وادارته من قبلها تحت السيطرة الامريكية , رافقته نزعة ثأرية وتصفية جسدية من قبل قوى واحزاب ترى نفسها انها من ضحايا النظام البعثي السابق . دفعت بحزب البعث العراقي من كلا الاتجاهين الدفاع الذاتي والوطني الى التصادم والمقاومة السياسية والمسلحة للاحتلال ومن نصبهم المحتل لحكم العراق . متحولا من حزب سلطة الى حزب مقاومة . ادى ذلك الى انخراطه في مقاومة وطنية عراقية . ادت بالمشروع الامريكي الى حالة مفضوحة وارباك سياسي وخسارة مادية وبشرية كبيرة . ” من الامانة التاريخية ” ان المقاومة في العراق للمحتل الغازي طبيعتها وهيكلها ” وطنية قومية اسلامية ” وحزب البعث لا يقود هذه المقاومة بل هو قائد لجزء منها . وقام ويقوم بمحاولات تشكيل جبهة مقاومة للمحتل المستعمر الامريكي ومن يواليه ويأتلف معه في الظاهر والباطن . بعد الامتدادات العدوانية الامريكية والايرانية في المنطقة العربية وانفظاح المشروع الامريكي على حقيقته واتساع وتنامي الرفض الشعبي في المنطقة عموما والعربية خصوصا والقناعة والقبول بأي فعل رافض لهذا الواقع من اي مصدر كان جماهيري عسكري امني . خافت امريكا من ” النذر الشؤم ” المتوقع حدوثه في المنطقة وخاصة ايران والمنطقة العربية برمتها . اعلنت موضوع العداء الوهمي الكاذب للنظام الايراني والانسحاب من الاتفاق النووي والتهديد المستمر الاعلامي لايران وخلقها لداعش التي سرعان ما انكشفت حقيقتها واهدافها . وتوسيع حالة الخلاف السياسي والمذهبي والقومي بين دول المنطقة لاستثماره لصالحها وتحقيق اهداف مشروعها في المنطقة . لكن استمرارها في احتلال العراق و سكوتها على مايفعله التيار الايراني الحاكم فيه من خراب وفساد ونهب وتخريب للعراق وفي كل مجالاته , واحتضانها لاسرائيل والتمادي فيه . مقابل الوعي والرفض الجماهيري لشعوب المنطقة ادى الى وصول المشروع الاستعماري الامريكي الى حافة الهاوية الحتمية . للهروب من هذا الخلل ” المأزقي ” بدأت بمغازلة حزب البعث العراقي بتحريض السعودية على احتضان ” عزت ابراهيم الدري ” بأعتباره القائد العام لحزب البعث العربي الاشتراكي العراقي كونه كان نائب للراحل صدام حسين في قيادة الحزب والدولة قبل اعدامه . تقوم امريكا ايضا بالترويج للحزب بعقد مؤتمرات وندوات في داخل امريكا وخارجها . موحية بأمكان عودته للحياة السياسية في العراق وجعل هذا الايحاء بمثابة مصدر ضغط على شعوب المنطقة مثل الشعب الايراني وتخديره وتسكين ثورته الحتمية المتوقعة كذلك الشعب العراقي والعربي بشكل عام . . و الاحتمال الآخر المشكوك فيه هو كشف التنظيمات البعثية الخيطية وتصفيتها . لكن القيادات البعثية القطرية والقومية للحزب مدركة لهذه ” الفرية ” تماما من حيث لا يمكن ابدا التفاهم مع المعتدي الامريكي الا بشرط الانسحاب والتعويض عن الخراب الشامل الذي احدثته الولايات المتحدة الامريكية ومخلبها الايراني في العراق والمنطقة العربية وارجاع الامور الى نصابها الصحيح بطرد عملائها وتشكيل قيادة وطنية مشتركة وتثبيت دستور جديد ينصف جميع مكونات الشعب العراقي واجراء انتخابات حرة ونزيهة ليقرر الشعب من يختاره . . حدى هذا الاجراء الخبيث بعدد كبير من قيادات الحزب يرئسهم ” محمد يونس الاحمد ” بإقرار فصل عزت ابراهيم الدوري من الحزب . رغم ان هذا لم يكن بمؤتمر حزبي عام لكنه شكل حالة مقبولية من عامة القواعد الحزبية والجماهيرية . ادعت بعض وسائل الاعلام على هذه الحالة قيام انشقاق في حزب البعث رغم انها لم تكن كذلك ولم ترتقي الى هذا المستوى . الاجراء كان الاعلان عن فصل عزت ابراهيم وطرده من الحزب . المستقبل في مرض وعمر عزت الكبير السن وواقع الصراع الحالي في العراق والمنطقة العربية يرجح كفة ” محمد يونس الاحمد ” ورأيه . الصراع مستمر وبلغ أوجّهُ ومنتهاه . والمستقبل لصالح الامة العربية بحكم تطورها واتساعها وفهمها لذاتها وسمو قيمها الحقيقية