((( هناك مفهومين هما الكافرون والمشركون والفرق بينهما واضح وكبير فالكافر هو الذي يعرف الشيء ما هو ويعرف مكانه ولا يفصح عنه فيُفسر على أنه ( المُزارع ) أو الفلاح يعد الأرض ويزرع البذرة ويغطيها ويعلم مكانها ونوعها كما جاء في الآية المباركة من سورة الحديد 20 ( كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا …… ) وكما فسره البيضاوي _ الشوكاني على أنه المُزارع وهذا ما وصف الله تعالى اليهود والنصارى لكفرهم وجحودهم للرسالة المحمدية ولنبيها الكريم محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلوات والتسليم أما الشرك فهو الذي يعرف الشيء ويجعل له ندا وشريكا بالرغم من معرفته بالأصل فالكوارث التي حلت بالأمة الإسلامية والعالم والخوف من الدين الإسلامي والنظرة السوداوية اتجاه الدين الإسلامي هو عدم التفريق بينهما أو استغلالهما بصورة خاطئة لتمرير مآرب في نفوس البعض من قبل أعداء الإسلام وقتلوا أخوانهم في الدين والعقيدة تحت غطاء الانتصار للدين والعقيدة المحمدية فسفكوا الدماء البريئة . فلو استعرضنا شبه الجزيرة العربية وبالخصوص مهبط الوحي والرسالة الإسلامية وهي مكة المكرمة ووضعها الاقتصادي والتجاري والسياسي فقد كانت لها القيادة المطلقة على القبائل العربية وزعامتها بيدها وموقعها الجغرافي للتجارة بين شمال الجزيرة العربية وجنوبها وأسواقها المفتوحة على العالم صيفا وشتاءا وكذلك مركزها الديني الروحي للعرب بوجود بيت الله الحرام فقد كان لقريش ثقلها ومقامها السياسي والتجاري والديني في قلب الجزيرة العربية فأسست لها زعامة تجارية ودينية كبيرة جدا ذات نفوذ قوي وصلب سيطرة به على القبائل العربية الأخرى كونها مسيطرة على عصب مهم من الحياة وهو التجارة برؤوس أموال كبيرة ورجال تزعموا التجارة والثروة منهم ( أبو سفيان – وأبو الحكم –أمية بن خلف – الوليد بن المغيرة ) وغيرهم لهذا نرى من الصعب من هؤلاء وغيرهم التفريط بالسلطة التجارية والموقع المرموق في مجتمعهم بل الكثير منهم فقد حياته وهو يدافع عن سلطته وزعامته القيادية هي الأشرس في زمن الدعوة الإسلامية فكانت دعوة النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه مهمة صعبة وشاقة جدا في هكذا مجتمع متزمت اتجاهه خوفا من تجريدهم من مميزاتهم الاجتماعية والسياسية فكانت سطوة قريش وقبائلها قوية جدا فوقفوا موقفا سلبيا من الدعوة الإسلامية الفتية وناصبوها العداء ومارسوا ضدها أشد العذاب والتنكيل لمعتنقيها الأوائل ولشخصية النبي محمد عليه أفضل الصلوات بالترهيب تارة وبالترغيب تارة أخرى فلن يستطيع أن يجمع حوله أكثر من ( 200 ) مؤمنا به كما يذكره أكثر العلماء خلال ( 13 ) سنة من الدعوة قبل الهجرة الشريفة إلى يثرب على العكس من ذلك نرى المدينة المنورة ( يثرب ) أستطاع الرسول الكريم أن يؤسس دولته الإسلامية وتوسيع جغرافيتها بمساندة الأوس والخزرج حيث استطاعت أن تمنعه من قريش وحمايته كونها بعيدة عن سطوة قريش وقبائلها واستقلالها التجاري والديني بالرغم من أن قريش وأكثر القبائل العربية المحيطة بمكة المكرمة وما جاورها لا تبتعد عن دين التوحيد كثيرا كونها لها المعرفة المسبقة والتأريخ العميق في اعتناق الحنفية دين النبي إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام منذ وقت ليس بالبعيد لكن للاعتبارات التي ذكرناه أعلاه كان لهم هذا الموقف السلبي اتجاهها . ولو استعرضنا كثيرا من المفاهيم التي كانت متبعة عند العرب قبل الإسلام وبعده وعقيدتهم الشركية بالله تعالى حيث جعلوا له أندادا في العبادة له لأمرين هما السطوة التجارية والاقتصادية وسلطة وأخرى سنبينها فكان الشرك بالله لدى قريش والقبائل العربية أهون من الإلحاد والكفر والتثليث من الديانات المنحرفة لليهود والنصارى والمجوس في باطن مكة المكرمة وخارجها فأن العرب يعرفون الله حق معرفته لكن كبريائهم وغطرستهم وترفعهم في المجتمع القاسي اتخذوا هذا الموقف من رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم كما جاء في سورة العنكبوت الآية 63( ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ليقولن الله …. ) و( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله …. ) ومن جملت اعتراضهم على الرسالة المحمدية أنها لو نزلت على أحدى الشخصيات المتزعمة في المجتمع لأتبعوها حيث قالوا ( قالوا لولا نُزل القرآن على رجل من القريتين عظيم ) سورة الزخرف الآية 31 كونهم يعرفون حين تُسلب منهم هذه المكانة الاجتماعية في قبائلهم يكونون عرضة للإذلال وفقدان المكاسب الدنيوية التي كانت تُجبى لهم من عبادة الأصنام والأوثان حين قالوا( وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ) سورة سبأ الآية 35- 37 والدليل على معرفتهم بالله تعالى هو الواحد الأحد كما جاء في الرواية أنه لما نزلت سورة النجم بآياتها الأولى ( فلقد رآه نزلة أخرى * عند سدرةالمنتهى * ما زاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبرى ) وتلاها عليهم في الحرم المكي وبصوت عالي صمت الكل من المشركين وسجدوا مع المسلمين ولم يجيبوه لمعرفتهم بقدرها ومنزلتها ومحتواها علما أنها كانت تهين آلهتهم المزعومة فحركت هذه الآيات عقولهم وقلوبهم ومشاعرهم رويت عن طريق أبا هريرة عن أبن عباس عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم والدليل الآخر أنهم كانوا يعرفون النبي محمد بن عبد الله صلوات الله عليه وسلم وهو بين أظهرهم يدعوهم إلى الدعوة الإبراهيمية الحنفية من جديد وترك آلهتهم المظللة التي كانت تحيط بالكعبة المشرفة بعددها المقارب ل( 360) صنم عبدتها القبائل العربية بعدما جاء بأولها زعيم قبيلة خزاعة ( عمرو بن لحي ) وأجبرهم على عبادتها وإطاعتها والتبرك بها في حلهم وترحالهم وتجارتهم وحروبهم حيث أظللنهم عن طريق الهداية الذي رسمه الله تعالى إليهم فكانوا بنو هاشم الباقون على دين آبائهم وأجدادهم إبراهيم وإسماعيل عليهم السلام يتعبدون ويدعون الناس في غار حراء يُسمون ب ( الحُمس ) يعرفون الله تعالى حق المعرفة متمسكين بعقيدتهم الحنفية الخالصة منتظرين النبي العربي الأمين من قريش أسمه وصفاته في كتب الأحبار والرهبان العرب في زمانهم يسمى المنقذ ( ميسيا ) وهذا ما أكده الراهب بحيرة لعبد المطلب في رحلته التجارية مع أبن أخيه محمد بن عبد الله فقد عاش صلوات الله عليه أخلاق المرسلين والأنبياء قبل البعثة المباركة في وقت عصيب ومجتمع صعب المراس .أن من أسباب رفض الدعوة الإسلامية
1-العصبية للآباء والأجداد ( قالوا وجدنا آبائنا كذلك يفعلون ) سورة الشعراء الآية 70- 74
2-تأثير اليهود والنصارى عليهم في رفض الدعوة الإسلامية المحمدية كونه ليس من أبناء أسباط يعقوب عليهم السلام
3-الحرص على بقاء الرئاسة والزعامة على العرب وأن لا تخرج من يدهم وتذهب إلى صاحب الدعوة الجديدة
4-خوفا من تقييد حرياتهم من بعض حياتهم التحررية والأخلاق المنحرفة آنذاك الدخيلة عليهم .
5-الخوف من ضعف قوتهم أمام الأقوام الأخرى والقبائل المجاورة لمكة المكرمة مثل اعتراض الحارث بن نوفل حين قال للنبي محمد صلى الله عليه واله وصحبه وسلم ( أننا نعرف ما تقوله حقا لكن الذي يمنعنا من إتباعك والإيمان بك خوفنا من هجوم العرب علينا يطردونا من أرضنا ولا طاقة لنا على ردهم ….) .
وهناك مسألة مهمة تبين بتمسك المشركون بالله تعالى واتخاذ الأصنام شركاء له على مضض وعدم قناعة لأكثرهم وأعمهم ولغاية في نفوسهم هي التلبية والطواف ومناسك الحج حول الكعبة المشرفة ولو استعرضناها كالآتي تعرف التلبية بالطاعة والخنوع مقرونة بالالتزام والدوام بالطاعة فهي مصدر من ( لبى – يلبي ) تعني الإجابة للمنادي إلى المنادى عليه وهو الله تعالى والإخلاص له ومقيم على طاعتك فقد كانت قبيلة نزار وبعدها قبيلة قريش تلبي كما لبى نبي الله إبراهيم وأبنه إسماعيل وبنو هاشم ( لبيك اللهم لبيك لا شريك لك ) كما جاء في الآية ( وإذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر ….. ) وكما ذكره ( الأزرقي – الطبري – النويري ) إلى عهد زعيم قبيلة خزاعة عمرو بن لحي الذي أخرج قبيلة جُرهم من مكة وسلب مكانتها من البيت الحرام وأضاف الوثنية والشرك لأول مرة في تلبيتهم ( لبيك اللهم لبيك لا شريك هو لك تملكه وما ملك ) أما قبيلة أسد ( لا نعبد الأصنام حتى تجتهد – لربها وتعتبد – لبيك اللهم لبيك الواحد القهار والرب الصمد ) ولبت ثقيف ( دانت لك الأصنام تعظيما إليك ) ولبت بعض العرب ( لبيك ربنا لبيك والخير كله بيديك ) وكانت خزاعة تلبي ( نحن ورثنا البيت بعد عاد ونحن من بعدهم أوتاد فأغفر فأنت غافر وهاد ) .فكل هذه الأجواء المحيطة بقريش وقبائلها القاطنة بمكة المكرمة وما حولها كان مؤهلا لاستقبال الرسالة التوحيدية الجديدة لمحمد بن عبد الله صلوات الله عليه من جديد حيث لم يعترضوا على النظرية السماوية ولا على شخصها لأنها كانت الأرض الخصبة لهذه الدعوة حين اجتباها الله تعالى لأن تكون أرض الرسالة ومهبط الوحي إلا ما طرح سابقا العائق المادي والدنيوي ولهذا أول ما عُرض على النبي هو المادة والسلطة الدينية فقط والجاه على العكس ما يُشاع عن قريش وتزوير للحقائق التاريخية من سوء المجتمع الجاهلي وتصويره بالجاهل فكريا ومنحل أخلاقيا من قبل الجهلة والأعداء ) ضياء محسن الاسدي