12 ديسمبر، 2024 2:33 ص

المشتركات بين سقوط بغداد وسقوط دمشق

المشتركات بين سقوط بغداد وسقوط دمشق

ربما يعترض البعض على هذا الربط بين الحدثين ، إذ يتبادر إلى الذهن الفرق بين الاحتلال الأجنبي المباشر لبغداد وبين زحف فصائل مسلحة محلية سعت لاحتلال دمشق ، للوهلة الأولى نسلم مع الآخرين أن ثمة فرق بين الاحتلال وبين الإزالة لنظام سياسي غاشم ، غير أن المبطن في عموم العملية ينم عن احتلال ولكن ليس لجيوش أجنبية ولكن احتلال دمشق كان لفصائل مدربة ومسلحة من قبل جهات أجنبية ، والنتيجة واحدة ولكن بأساليب مختلفة ، ولكن المثير للاستغراب هو التشابه الكبير في مسرحية السقوط ، فقد تبخر البعث في بغداد بطريقة مثيرة للاستغراب وفي ذات الأسلوب تبخر البعث السوري بمجرد سقوط حماه ، والأغرب تخلي الجيش في العراق بسرعة البرق عن صدام وتخلى الجيش السوري بذات السرعة عن بشار ، فهرب الاول ، وانهزم الثاني ، كل منهما لم يعبأ بمستقبل البلاد ومصير العباد ، والمتتبع لتاريخ البعث العراقي والسوري بجد أن الحزبين لهم مشترك واحد هو صناعة المواجهة وحرفة تنظيم الانقلابات ، والسؤال كيف ترك البعثيون صدام يقود البلاد إلى الهاوية دون الانقلاب عليه كما كان يأمل العراقيون ، وكيف لم ينقلب البعث السوري على بشار ليقودهم في النهاية إلى حتفهم السياسي ، فالبعث في سوريا ينقلب كالعادة بعضه على البعض الآخر وكذا بعث العراق . إلا في حالة صدام وبشار .
أن أهم الأسباب التي قادت البعث بشقيه العراقي والسوري إلى نهايتهما ، أن الحزب لم يكن حزب مبادئ كما كان باديا عليه من خلال شعاراته في أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ، وأهدافه في الوحدة والحرية والاشتراكية ، فقد خرب الحزبان الوحدة وتعادى البلدان ، ولم يحقق البعث الحرية في كلا البلدين ، بل حولوهما إلى ثكنة عسكرية مخابراتية بولاءات شخصية عائلية ، ولم يطبق كل منهما الاشتراكية بمفهومها العلمي المعروف ، وبدأت القصة منذ انقلاب حافظ الأسد على حكومة الأطباء الثلاثة بانقلاب تشرين عام ١٩٧٠ ، وانقلاب صدام على البكر في تموز عام ١٩٧٩ ، وافتعال مؤامرة انقلاب حافظ على صدام وبدأ العداء الرسمي بين الزعامتين برغم تشابه سلوك كل من الفريقين ، فقد كان حافظ الأسد انقلابيا بامتياز وكذا كان صدام حسين متمردا على قادته بالعزل او بالاغتيال ، انقلب الأسد على القيادة القومية واحتوى صدام تلك القيادة بعفلقها ، أصبح الاول أمينها العام ،، لحزب البعث السوري ، أصبح الثاني نائب عفلق دون اي التزام ، الاول صادر حريات شعب سوريا ، اغتال الثاني محرمات شعب العراق ، دخل الاول لبنان ودخل الثاني إيران ، كل منهم اختصر بلاده بالزعيم الفذ الذي لا مثيل له في ذاك الزمان ، تخلى كل منهما عن عمقه العربي بعد أن ساعد الأسد إيران ضد صدام ، واعترض الأسد على احتلال صدام للكويت ووقف ضد العراق في حرب العالم لتحرير الكويت ، رحل الأسد الأب وحل الأسد ببشار بالوراثة ولو لم يزال صدام لورث قصي حكم العراق ، وفي النهاية ابتعد البلدان عن العالم ودخل الحصار على شعبيهما ، ولكن في المحصلة وما شاهدناه بالأمس ان ما حصل في دمشق حيث لم نشاهد البعث وهو يقاتل نيابة عن الأمة العربية وانفض عن بشار دون أن يدافع عن قيادته القومية ، وترك شعبه لفصائل الحركة الإسلامية ، وأصبحت دمشق ساحة مفتوحة للتدخلات الأجنبية ، وكذا كان مصير بغداد حيث أصبحت هي الأخرى مقصدا للمخابرات الأجنبية وعرضة في كل لحظة لمخاطر فصائل مسلحة هي الأخرى إسلامية .
أن البعث في العراق وسوريا كان كل منهما وبالا على الشعبين وكان كل منهما أيضا قد مهد لسقوط البلدين ، واليوم يرى الشعبان السوري والعراقي . ان التاريخ لا يسير وعلى وجهه قناع ، فقد سجل في طياته ان البعث في كلا البلدين كان كل منهما وسيلة لقمع الشعبين وكان كل منهما ايضا شرطيا لسجون احتوت الاحرار والتقدميين ، ومهدا الطرق معبدة في العراق وسوريا لتدخل المحتل وإطلاق اياديه للعبث بمقدرات البلدين ، وهنا تحققت نبؤة صالح مهدي عماش وهو ينشد ،، بلد تشيده الجماجم والدم تتحطم الدنيا ، ولكن مع الأسف صار كل من العراق وسوريا بلدا محطما ……