23 ديسمبر، 2024 12:17 ص

المشاورات الجديدة تهدئة للغليان ام هوية مواطنة …؟

المشاورات الجديدة تهدئة للغليان ام هوية مواطنة …؟

حالة الغليان والاحتجاجات الشعبية العراقية التي شملت العديد من المحافظات واشدها ما حدث في البصرة ما احدث هزة في بدن مجلس النواب الجديد، فرضت نفسها على الاسراع بمفاوضات تشكيل الحكومة من جديد بعد الفتور المؤقت ، مما حدى بالقوى السياسية بالمباشرة بسلسلة اتصالات مكثّفة على مدى الساعة القليلة الماضية ، للشروع في مفاوضات جادة ومختلفة هذه المرة لتشكيل الحكومة الجديدة يبدو انها تحاول كبح الغليان الشعبي وتخفف حدة التظاهرات فقط لاغيرها ، ويبدو أن التحالفات التي أعلنت على مدى الشهرين الماضيين لتشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر فشلت في تحقيق اهدافها، ودفعت الأحزاب الى إعادة النظر في المفاوضات من جديد عبر التفاوض مع خصومها بدلا عن التمسك بالتقارب مع أصدقائها التي تتقاسم الرؤى والأهداف المشتركة و المحور الأساسي وما يتحدث عنه الشارع هو ما شكل وهوية الحكومة القادمة، بتقديري كان رده في الانتخابات عنيف جدا على الحكومات السابقة والسياسيين من خلال المقاطعة والعزوف عن الانتخابات بنحو غير مسبوق، بعد ان حصلت الكتلة الكبيرة يعني دولة القانون في الانتخابات السابقة على اكثر من 93 كرسي نيابي ،في حين ان تحالف سائرون الذي حل بالمرتبة الأولى لم يحز الا على 16 % فقط من مجمل مقاعد مجلس النواب في الانتخابات الحالية وبقي بعيدا عن حد ربع المقاعد بدرجة كبيرة و النتيجة ستقود الى ارباك تشكيل الحكومة بشكل كبير وتعرض هشاشة العملية السياسية في العراق المصابة بالعطب اساساً الى التفاقم .

اما القلة من السياسيين الملتزمين تماما بحب الولاء الكلي للوطن فانهم أضعف كثيرا من ان يتحكموا بمسار العملية السياسية. كذلك الشارع العراقي يمر في مرحلة حرجة من الهيجان وعدم الاستقرار الأيديولوجي مما يجعل فيه ان يميل زخم الحراك الاجتماعي الى الابتعاد التدريجي عن رجال السلطة في ردة فعل سببها الأداء السيء للأحزاب والكتل في السنوات الخمسة عشر الماضية، وهذا الحال يُذكر بما لا يقبل الشك بحالة النفور التي عاشها الشارع العراقي من الفكر البعثي القومي الشوفيني بعد خيبات الامل والكوارث التي حلت به تحت خيمته .

في ضوء التطورات التي أحدثتها التظاهرات الشعبية في جنوب البلاد وأعادة الشعوروالاحساس بالمسؤولية التي تلقيها على كاهل الكتل السياسية وخاصة بعد مطالبة المرجعية الشريفة بالاسراع الى تشكيل الحكومة التي كانت تسعى قبل أيام من انطلاق الاحتجاجات بشكل اقوى لتحريك عملية إنتاج حكومة جديدة التي عليها ثلاث قضايا مهمة يجب توفيره 1- فرص العمل والقضاء على البطالة 2- ومكافحة الفساد بوجود اخرين يتخوفون من المعركة ضد الفساد لأنها سوف تسقط رؤوسا كثيرة 3- وتقديم الخدمات التي يفتقدها المواطن وهذه من الملفات الشائكة التي تتطلب حكومة قوية حريص في ادائها لتقديم الممكن للمواطن الملتهب واتخاذ خطوات حقيقية في سبيل الإصلاح، ومكافحة الفساد، وتحقيق العدالة الاجتماعية و إدراك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها، للعمل على تحقيق الرفاه والتقدم لأبناء شعبها، ، ولا اعتقد ان الفرق كبير سوف يكون بين الانتخابات السابقة والحالية دون تنفيذ هذه الامور و سوف لا يكون هناك تغييرا حقيقيا، ويجب على المسؤول اين كان ومن اي دين ومذهب وقومية ان يضطلع بدوره المسؤول والمواطن برقابي اكبر بوعي وادراك بالشعور المخلص لشعبه ، فيما تُفكر الكتل في سياقات جديدة لتشكيل الحكومة، تتماشى مع مطالب التظاهرات المرشحة للتصعيد في حال استمرار الأداء السياسي الراهن ” قبل فوات الاوان “.

الامل كل الامل في ان تتواصل المشاورات والاتصالات بين الأطراف المعنية بتشكيل حكومة جديدة للمرحلة القادمة تتناسب مع اهداف الجماهير والتي ستشمل اسم رئيس مجلس النواب ونوابه ورئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء المقبل وتشكيلته الوزارية المنسجمة المتخصصة والكفوءة القادرة على حل المعضلات ، وفق الاطر الدستورية. إلا أن رغم ذلك فلا نعتقد ان تشكيل الحكومة العراقية ستكون مهمة سهلة و ميسرة ، ومن الممكن أن تطول المفاوضات بين الأطراف السياسية ويتأخر تشكيل الحكومة بسبب عدم قدرة الأطراف الفائزة بالمقاعد لتشكيل الحكومة بمفردها إلا بالتنازل من هذا الطرف لذلك الطرف الاخر بل عليهم بناء تحالفات لأجل تحقيق أغلبية (165) مقعداً لتشكيل الحكومة القادمة، وما يُعقد المهمة أكثر هو الاختلاف والتنوع في الافكار داخل الكتل و الأطراف السياسية العراقية الكبيرة على قرارات القادة السياسيين.

العراقيون يحلمون باليوم الذي يأتي فيه من يشعر من المسؤولين الجدد، بمعاناتهم وفقرهم ، وجوعهم ، والبطالة التي حولت سلوك الشباب واجبرتهم على التسكع في الشوارع و المقاهي والكافي شوبات على اقل تقديربالنسبة للميسرةعوائلهم والغيرابية بسلبياتها وعوارضها والاقبال على مشروبات الطاقة والسكائر مؤخرا بشكل كبير وخاصة من قبل فئة الشباب – والذين يعتبرون الفئة الكبرى المستهدفة في حملات الدعاية والاعلان – لما يروج عنها ويشاع بأنها تمد الجسم بالطاقة وبالقوة وتزيد معدل التنبه والاستيقاظ والتركيز الذهني او فرش ” البسطيات ” في جواب الارصفة لبيع ما يسد رمقهم وعوائلهم بعد 15 عاماً من إسقاط نظام صدام، وبات هناك نحو 3 ملايين عراقي مشردين داخل بلادهم، وملايين اللاجئين العراقيين خارجه، بعضهم انتقل إلى دول أخرى وتجنس ونسي أمر العودة، وآخرون ما زالوا ينتظرون الفرصة للعودة إلى دورهم للعيش بكرامة وأمان. فهل الحكومة المقبلة، بناء على التحالفات التي ذكرت، قادرة على حماية هؤلاء وتحقيق طموحات المواطن الذي يتمنى حكومة عراقية وطنية عابرة للطائفية والعرقية ؟