18 ديسمبر، 2024 9:55 م

المشاهد العربي بين“قنوات الهداية”وقنوات الغواية الفضائية!

المشاهد العربي بين“قنوات الهداية”وقنوات الغواية الفضائية!

في خطوة لافتة وجه مركز الإعلام الرقمي تحذيرًا إلى جمهور مواقع التواصل الاجتماعي في العراق،بشأن الأعمال الدرامية والبرامج الرمضانية، مؤكدا رصد العديد من البرامج التلفزيونية التي تتسم بـ”التفاهة ونشر الثقافة السلبية”.
ويبدو أن عروض رمضان 1443 هـ المتلفزة لم تختلف عن سابقها من الرمضانات من ناحية الغث والسمين الذي يبث على الشاشات والقنوات العربية والمحلية بل وحتى الوكاﻻت والصحف والمجلات وما أكثرها ، فبينما يطلع قسم ضئيل منها ببث روح التسامح والرحمة والتآلف والعمل الخيري بين الناس ، ينحصر أداء اﻷخرى وهي اﻷكثرية في إستعراض اللحم الاحمر واﻷبيض المتوسط ، والرقص والغناء وإثارة الغرائز والنعرات الطائفية ، ولاسيما مسلسل ” دنيا تانية ” وقد منعت حلقته الاولى من قبل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام فى أول يوم رمضان لما تتضمنه من مشاهد خادشة تروج لزنا المحارم ..متى ؟ في اول ايام الشهر الفضيل !!، ليأتي المسلسل الكويتي الرخيص ” من شارع الهرم ” بالمرتبة الثانية ويدور كله حول راقصة مصرية تقلب كيان عوائل كويتية وخليجية ، وقد اطلقت العديد من الهاشتاجات المطالبة بوقف عرض المسلسل لكونه لايتناسب مع الشهر الفضيل من جهة ، ولأنه يهين المرأة المصرية من جهة اخرى ، وهكذا تستمر المسلسلات ” العاصوف 3 ” ، و” سنوات الجريش ” و ” الكبير اوي 6 ” و ” توبة ” و ” الاحتيار 3″ ، ومسلسل الممثلة ” الغام شياطين بعنوان ” بطلوع الروح ” وهكذا دواليك وقد شخصت تزايدا مطردا وجرآة في الطرح هذا العام تخطت كل الحدود في الجانب المظلم وبذل الوسع في نشر الرذيلة في ذات الوقت الذي تتفانى فيه قنوات الرحمة لنشر الفضيلة بين الخلق بجهد المقل وسعي المجد !
بالمقابل فإن أشد ما لفت إنتباهي بعض البرامج الخيرية الجميلة وفيه يشتري للعائلة المتعففة أبرز حاجاتها الضرورية ” طباخ ، ثلاجة ، مبردة ..الخ ” بينما يختار بعضها رب أسرة متعفف / متعففة ويتجول بهم في اﻷسواق لشراء كل ما يحتاجونه مع منحهم مبلغا من المال في نهاية الحلقة ، ومثلها العديد من البرامج الطيبة ذات البعد الإنساني والدعوي لعل برنامج ” الصدمة ” بموسمه الجديد ، كذلك برنامج ” ملتقى القلوب ” لمعده ومخرجه الدكتور امجد الجنابي ، اضافة الى برنامج ” بل هو الحق ” لمعده وضيفه الدائم الدكتور سعد الكبيسي ، للرد على 30 شبهة رئيسة و200 شبهة فرعية في 30 حلقة طيلة الشهر الفضيل ، البرنامجان الاخيران يستحقان المتابعة ، اضافة الى برنامج ” التجديد / التدين الواعي ” للدكتور محمد عياش الكبيسي ، علاوة على برامج فتاوى على الهواء ، وانت تسأل والشيخ يجيب ، فضلا عن برامج الادعية والابتهالات والاذكار في عدد من القنوات العربية وكلها برامج طيبة تستحق المتابعة لما فيها من فوائد جمة ، وأكثر ما لفت إنتاهي هو حرص الكثير من الباعة على عدم تقاضي ثمن ما يتم شراؤه منهم لصالح المحتاجين عن طيب خاطر ما يعكس طيبة العراقيين وكرمهم برغم كل ما ألم َ بهم من كوارث لاتخفى على أحد ، اﻷمر اﻵخر أن مقدمي البرامج كانوا يحرصون على توجيه النصح للمشاهدين وحضهم على الصدقة والانفاق في الخير والتكافل الاجتماعي مستثمرين دقائق البرامج القصيرة في ذلك متجاهلين الساسة ومناشداتهم كما كان يحدث في السنين الماضية ﻷنهم وعلى ما يبدو قد أدركوا جليا بأن لانفع من تلك المناشدات وﻻ جدوى منها كالنفخ في قربة مثقوبة ، علاوة على توجيه اللوم المبطن والعتاب المعلن للساسة عبر المحتاجين أنفسهم بعبارات نحو ” شدكول للسياسيين ..شدكول للحكومة ؟ ..شوية خليها ادير بالها علينا “، وكأنهم يقولون ” أهزموهم بالمحبة ، إقهروهم بالتكافل والرحمة ” تراحموا وعلى أبواب الفقراء والجياع والمعوزين تزاحموا ..تُرحموا وللساعين لإفقاركم ، لتشتيتكم ، لتجويعكم ، لإذلالكم ..تَهزموا !
إقهروهم بحب بعضكم بعضا فإنما جاؤوا ليفرقوا جمعكم ، ليشتتوا شملكم ، ليمزقوا نسيجكم ، ليسرقوا خيراتكم ، لينهبوا ثرواتكم ، وليتسلقوا الى المناصب بأصواتكم وأصابعكم ، وكلكم بالنسبة لهم صوت وأصبع لاغير !
وبعيدا عن الفضائيات ولكن بالقرب من الحاجات إنتشرت صور لمشروع (( خذ ما يكفيك واترك الباقي لغيرك )) الخيري على مواقع التواصل الاجتماعي ، مشروع ينتشر بخجل حتى اﻵن في أحياء بغداد الفقيرة وخلاصته أن يتبرع أحدهم بثلاجة عامودية – عارضة – يضعها وسط السوق الشعبي ، فيما يتبرع الباقون وكل بحسب طاقته وإمكاناته باﻷجبان ، بالمياه المعدنية ، باﻷلبان ، بالمربيات ، بالزيتون ، بأنواع اﻷطعمة المبردة ويضعها داخل العارضة للمحتاجين تحت شعار ( رحماء بينهم ).
وكأني بهم يقولون إن كان الساسة يتسلقون على أكتاف الفقراء منذ 19 عاما بـ” صورني وآني ما ادري ” كل سنة مرة حرام تنسوني بالمرة تسبقها بالعادة الحملات الانتخابية وتتزامن معها ومن ثم ( راح وأيست منه ) ، فلنسحب البساط من تحت أقدام فتاتهم وصورهم وبخلهم ، وشحهم ، وريائهم ، ولنطعم الفقراء والمساكين والمحتاجين حسبة لوجه الله من غير صور وﻻ دعايات انتخابية كدأب اﻷخفياء الاتقياء الكرماء اﻷسخياء ومانقص مال من صدقة وليكن شعارنا (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) ، إنهم يزدحمون على المناصب وحطام الدنيا الفاني، فالنزدحم نحن على أبواب الفقراء والمساكين عسى الله تعالى أن يرحمنا ويقبل الشفاعة فينا يوم ..الزحام !
أما الى قنوات العهر الفضائية العربية والعراقية فأقول بأن محاولة ربط ”الخمر “بالمثقف ، ” الويسكي ” بالممثل ، “الحشيش” بالملحن ، ” الكرستال “بالشاعر ، ” الماريجوانا ” بالعازف ، “المواخير ” بالفيلسوف ،و” بيوت الدعارة ” بالمفكر ، والسيجار الكوبي ” بالمنظر ” ، والسجائر والمقالات الصفراء الرخيصة ” بالصحفي ” ، وربط ” الراقصات والنساء الغواني ” بثورات التحرير ضد المستعمر الاجنبي ، هي أسلوب شعوبي رخيص جدا وستراتيجية خائبة تحاول أن تصور لنا بأن – جهنم وبئس المصير – لاتضم سوى ثلة من العباقرة والمبدعين والمفكرين والاعلاميين فيما لاتضم – الجنة – سوى اﻷطهار المفلسين من الذنوب والانقياء من الابداع على سواء !
وبالتالي فعلى من يريد الوصول الى الجنة بحسب ما يروج له فما عليه سوى الاصطفاف في طوابير الكسالى والمغمورين والمهمشين ، والعكس صحيح بالنسبة للمبدعين = إن البشرية ستقلب موازين تفكيرها بالتدريج لتخون اﻷمين وتستأمن الخائن، تكذب الصادق وتصدق الكاذب، تقرب الطالح وتستبعد الصالح،تحب – الهز ياوز – وتكره – ابو ركعة – لتصل الى نتيجة نهائية شيطانية معكوسة في نهاية المطاف خلاصتها، إن “الجنة هي للعركجية ”وان النار ” للتنبلجية ” .
وعلى أهل الصلاح إثبات انهم اكثر إبداعا وتألقا وحضارة وعطاء واخلاصا وفي كافة المجالات من شياطين الانس والجن ،وهذا الاثبات لايكون بالكلام فحسب وإنما بثورة فكرية وتعبوية وواقعية شاملة تقلب عالي مفاهيم – الخدة والخدر– التي أرضعتها مجتمعاتنا في عصور الهزائم والانكسار والاستعمار في زمن العتمة ..سافلها !
وحقا ما قاله بعضهم بأن بعض“القنوات الفضائية”أدنى مرتبة من”قنوات الصرف الصحي ”ذاك أن الثانية تعمل على التخلص من النفايات البشرية السامة حفاظا على الصحة العامة ،فيما تعمل اﻷولى على ضخ أكبر كمية ممكنة من المواد والنفايات السامة والعمل على تدويرها في اﻷدمغة والعقول لتعمل عملها في النفوس والقلوب،وبالتالي فإن“قنوات الصرف الصحي ”هي أجدى وأنفع للبشرية من بعض ”القنوات الفضائية”!اودعناكم اغاتي.