18 ديسمبر، 2024 6:07 م

المشاركة الانتخابية أفضل الخيارات السياسية المتاحة

المشاركة الانتخابية أفضل الخيارات السياسية المتاحة

نعم قد ترتبط نتائج الانتخابات وشرعيتها او الغاءها وبطلانها بنسبة المشاركة الشعبية في بعض الانظمة الديمقراطية المحدودة ؛ وذلك لقناعة تلك الانظمة بضرورة تمثيل الشعب تمثيلا حقيقيا ؛ وهذا الامر لا يتحقق من خلال المقاطعة , او نسبة المشاركة الضئيلة ؛ لأنها سوف تمثل الاقلية القليلة من الشعب او الامة ؛ وهذه الاقلية لا تستطيع الادعاء بانها تمثل صوت الاغلبية المقاطعة , او ان تحدد مصير الاكثرية التي لم تشارك في عملية التصويت ؛ وهذا ما يدعو تلك الانظمة لإعلان بطلان الانتخابات وعدم شرعيتها وقانونيتها .

ولا يملك أي نظام سياسي أن يستغني عن حاجته الى الشرعية وان كان نظاماً غير شرعي من منظور السياسة المدنية الحديثة , و صناديق الاقتراع هي الجهة المتخصصة في إصدار شهادة ميلاد شرعية النظام السياسي الديمقراطي , و الارقام التي تعلن عن نسب الاقبال على هذه الصناديق هي معيار يعكس الى اي مدى وصلت اليه الشرعية , و اختبار للديمقراطية في مدى تحقق انتقال ذلك المجتمع نحوها.(1)

ولكن دستور العراق لا يوجد فيه , ما يحدد نسبة معينة لإضفاء الشرعية على الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجالس المحافظات , وقانون الانتخابات يخلو من أي عتبة انتخابية لتحديد شرعيتها وفق نسبة المشاركة فيها , وخضعت الانتخابات العراقية في اعتماد قوانينها إلى قاعدة التجربة والخطأ، ولطالما وُجهت إليها انتقادات واتهامات بأنها جسّدت نوعاً من المحاباة لصالح الأحزاب السياسية .

وعليه المقاطعة او عدم المشاركة في الانتخابات لا تجدي نفعا ؛ بل على العكس قد تصب في مصلحة القوى الفاسدة والشخصيات الفاشلة ؛ فلو كانت نسبة المشاركة 5% فقط , ولو اشترك في عملية الانتخابات المواطنين والموظفين المنتمين للأحزاب فقط ؛ لما عدت تلك الانتخابات باطلة … ؛ فنسب المشاركة لا قيمة قانونية لها مهما بلغ انخفاضها .

بل قد تعرض المقاطعة المكون المجتمعي للخطر والاقصاء والتهميش , اذ قد يستولي غيره على مقاعده ؛ وقد صرح المحلل السياسي يحيى الكبيسي فيما يخص موضوع انحسار تمثيل السنة وتقليص مقاعدهم ؛ في وقت سابق : (( … إن من أبرز أسباب تراجع التمثيل السني هو عمليات التأثير في نتائج الانتخابات بشكل مباشر، بالإضافة إلى انخفاض أعداد المشاركين السنة في الانتخابات بشكل كبير لأسباب عدة، خاصة في محافظة بغداد، وهذا بدوره أدى إلى انخفاض عدد المقاعد في المحافظات ذات الطابع السني مثل ديالى ونينوى وصلاح الدين …)) .

صحيح ان العملية الانتخابية تكون شرعية حتى مع نسبة المشاركة الضئيلة , لكن سياسياً و اجتماعياً يشير هذا النزول في نسب المشاركة الى تخلي الشعب العراقي عن النظام السياسي لان الناس عندما تذهب الى صناديق الاقتراع فانهم يعلنون عن تمسكهم بالنظام السياسي الحاكم في يوم الاقتراع , و ان عزوف العراقيين عن المشاركة في الاقتراع فانهم يعلنون امتناعهم عن الانضمام الى العقد الاجتماعي بينهم و بين الحكام , و يقتنصها اقلية مؤدلجة من الشعب للوصول الى السلطة ليقرروا مصير الشعب اكمله, و عند ذاك تنقلب الديمقراطية و تصبح حكم الاقلية بدلاً من حكم الاغلبية و تختفي الارادة العامة و تحل محلها الارادة الخاصة , عند ذاك فانه يعني ان الديمقراطية مصابة بالاختلال و العاهة و المرض ؛ مما يستدعي ضرورة علاجها , و عدم السكوت على هذا الاعتلال و الاختلال و الا احتكرت الشعبوية السلطة و تحكم القادة الشعبويين بمصير الامة.(1)

نعم قد تتعرض العملية السياسية للتلاعب بالنتائج والتزوير احيانا , وقد تتصدر المشهد السياسي الفوضى الجماهيرية والشعبوية التي تجهل مصالح البلد العليا ولا تعي مقدار وحجم التحديات الخارجية والداخلية , وقد تضغط القوى الكبرى والاحزاب الكبيرة في سن قوانين تخص الانتخابات تصب في مصلحتها , وقد توجد العديد من الثغرات في العملية الانتخابية والقانون الانتخابي , وقد تشهد الانتخابات عزوفا كبيرا من قبل الجماهير المحبطة , وقد لا تستطيع الاحزاب المستقلة والمرشحين المستقلين منافسة الاحزاب القوية والشخصيات المتنفذة والغنية … الخ , ومع كل ما يثار بشأن عملية الانتخابات في العراق ودول العالم الاخرى ؛ يبقى النظام الديمقراطي هو الافضل ؛ وصدق ونستون تشرشل عندما قال مقولته الشهيرة : (( النظام الديمقراطي هو أسوأ أنواع الحكم إلا إذا قورن بغيره)) لأنك فيه تستطيع الاعتراض والاحتجاج وتعديل القوانين وتصحيح الاخطاء ؛ وقد شاهدنا كيف مر قانون الانتخابات في العراق بمساراتٍ وتعديلات عديدة , وكلما ازداد الوعي السياسي الجماهيري وارتفعت اصوات النخب والشخصيات المطالبة بإجراء التعديلات وسن القوانين العادلة , وازدادت نسب المشاركة الشعبية في الانتخابات ؛ كلما كانت النتائج ايجابية وتمثل ارادة الشعب والامة .

لذلك طالب البعض بضرورة اقرار قانون يحض على التصويت والمشاركة الانتخابية الالزامية , لان البعض بطبعه لا أبالي ولا يهتم بالشؤون العامة والوطنية ولا يعنيه أمر الوطن والشعب ؛ ولله في خلقه شؤون , فعدم المشاركة في الاقتراع احيانا لا يعني بالضرورة “عزوفاً” مقصوداً فربما يعني ايضاً عدم اكتراث اغلبية الشعب بالشأن السياسي , فالشعب الاجتماعي اكثر عدداً (أغلبية) من الشعب السياسي… ؛ لذا نرى من الواجب على الحكومة و القيادات والنخب العراقية العمل على توعية الشعب ورفع المستوى الفكري والثقافي والسياسي للجماهير , وضرورة حثه على المشاركة في صنع القرار الوطني … ؛ فمن اصبح وامسى وهو لا يهتم لأمر العراقيين فهو ليس منهم قطعا او في عداد الجهلة .

………………………………………

1- التصويت الالزامي: حلاً للمأزق الانتخابي في العراق / أسامة شهاب حمد الجعفري / بتصرف .