23 ديسمبر، 2024 11:31 ص

المسيرة الجمهورية في شوارع باريس ….. لوحة خالية من دسم الثورة

المسيرة الجمهورية في شوارع باريس ….. لوحة خالية من دسم الثورة

رغم ضخامة عدد المشاركين في مسيرة الجمهورية التي انطلقت في شوارع باريس ورغم مشاركة الكثير من زعماء دول العالم الا ان المسيرة لم تحمل في جعبتها دسم الثورة الانسانية ولم تصل الى اقصى مراحلها الفكرية والفلسفية …..
فباريس عاصمة الاضواء والانوار كانت صامتة رغم ان الملايين احتشدوا في شوارعها وازقتها لكنها لم ترسل الى الارهاب العالمي تلك الصرخة الغاضبة التي كانت تنتظرها البشرية ولم ترفع في المسيرة سوى بعض اللافتات المنددة لما حصل في شارلي ايبدو وبعض الاقلام كرمز عن حرية التعبير …..
كانت البشرية تنتظر من فرنسا ان تحدث تغيرا في نمط قوانين وشرائع ومبادىء المسيرات والتظاهرات التي شهدتها دول العالم فيما مضى لكنها بقيت ضمن تلك الدوائر الضيقة الصامتة المنددة بحدث ارهابي كان الاجدر بالشباب الفرنسي احداث فجوة ضخمة بين كل المسيرات التي حصلت سابقا وبين مسيرة الجمهورية كان واضحا عدم وجود القيم والمبادىء الثورية حتى المرأة الفرنسية المعروفة بتمردها وتحديها للحضارة كان حضورها فقط لأثبات الهوية …..
كان يجب ان تدق الطبول في كل ارجاء باريس حتى تصدح اصواتها في اوروبا والعالم كان يجب ان ترفع اعلام كل الدول كي تصنع جدارا حديديا من الغضب الانساني كان يجب ان يتحول صمت الملايين الى صرخة واحدة مليئة بالهتافات والشعارات الثورية فالمسيرة كانت بحاجة لقيادات ثورية شابة تدير دفتها وتقودها الى تحقيق اهدافها وطموحاتها لم يكن واضحا مشاركة التيارات الفكرية والفلسفية الثورية الاوروبية والعالمية في المسيرة …..
هنا وقفت كعادتي وذهلت من المشهد الذي اتابع تفاصيله بدقة عبر شاشات الفضائيات العربية والاوروبية كنت اعتقد ان هذه المسيرة ستكون الفتيل الذي سيشعل لهيب الثورة الانسانية في مواجهة الارهاب العالمي لكن دائما افشل فكريا وفلسفيا واشعر بخيبة امل كبيرة لما يحدث في العالم الذي ما زال يعاني غياب الوعي والادراك لكن هذه هي حضارة القرن الواحد والعشرين انها نموذج حي لمأساة الحرية …..
والمضحك في الامر ان عدد المشاركين تخطى المليون انسان واذا ما عطس الالاف منهم كانت ستهتز قارة اوروبا لكن حتى العطس لم يكن حاضرا وفي نفس الوقت لو شارك بضع الالاف من هؤلاء الصامتين وحضروا مباراة لكرة القدم في بطولة كأس اندية ابطال اوروبا لكان الحال افضل بكثير فكرة القدم تصنع الاثارة والتشويق والثورة وتستفز المشاعر والاحاسيس ولكان هؤلاء الالاف يرددون الشعارات ويرفعون اعلام الاندية وصور اللاعبين ويحرقون الالعاب النارية …..
اعتقد ان المسيرة الجمهورية حدث مهم اكثر من اي مباراة كرة قدم حتى ولو كانت بين منتخب الارض ومنتخب المريخ لكنها لم تحظى بالاهتمام فكريا وفلسفيا من عقول الذين حضروها …..
اعترف انني حزنت وبشدة لهذا الصمت الذي كان واضحا في المسيرة وحزني نابع من حبي وعشقي للبشرية التي اصبحت لقمة في فك الارهاب فالبارحة الرئيس الفرنسي يعطي محاضرة عبر شاشات التلفزة لشعوب الارض عن مبادىء الجمهورية الفرنسية واليوم عرفت العالم كله التطبيق العملي لهذه المبادىء واولها الصمت من افواه وعقول المليون ونصف انسان الذين حضروا المسيرة في باريس والتي لا تستحق ان تكون تأريخية ولا يمكن تسجيلها في التأريخ كحدث عالمي هز الانسانية …..
فالبشرية بحاجة لثورة حقيقية كان يجب على التيارات الفكرية والفلسفية الماركسية في اوروبا ان تكون حاضرة حتى التيارات الفكرية والفلسفية اليسارية والاشتراكية لم تكن حاضرة في المسيرة فبرغم عدائي الفكري والفلسفي للتيار اليساري والاشتراكي بأعتباري ماركسيا اؤمن بأن الماركسية هي النبع الصافي والاصيل لكل التيارات الثورية وهي الاصل بينما الاخرى هي نسخ مطابقة للاصل لم تكن حاضرة في المسيرة ولم اشاهد الاعلام والرايات الحمراء ترفرف في شوارع باريس …..
بينما في روسيا عندما يحتشد الالاف من الروس في شوارع موسكو ارى واضحا الشعور الثوري تجاه القضية الانسانية وارى كم هم الروس عظماء بفكرهم بفلسفتهم بأيمانهم بقيم وتعاليم الماركسية الخالدة التي تنتمي للشعوب وتنادي بحريتها وحقوقها…..
كنت اتمنى ان اكون في هذه المسيرة المليونية حتى اعلم الفرنسيين ما هي معاني الثورة الحقيقية وكيف يمكن الدفاع عن البشرية ضد الارهاب كنت سأحمل اللافتات والاعلام الحمراء مرسومة عليها صورة الثائر العالمي تشي جيفارا اعظم الثائرين في القرن العشرين واكثرهم ايمانا مطلقا بحقوق الانسان وحريته ضد الظلم والطغيان كنت سأردد الشعارات المناهضة للارهاب بل كنت سأصرخ مرارا وتكرارا في شوارع باريس والهب مشاعر الشباب الاوربي واقودهم الى ساحات المواجهة الحقيقية ضد الارهاب وداعش والقاعدة واي تنظيم ارهابي يسفك دماء الابرياء ويهين كرامة الانسان في اي بقعة من الارض …..
فالبشرية بحاجة لجحافل من الثوار المؤمنين بحرية الانسان وحقه في العيش بسلام وطمأنينة ومحبة لكي يواجهوا الارهاب العالمي في اي بقعة من الارض لكن خاب املي في فكر وفلسفة الشباب الفرنسي والاوروبي ولم اكن اتصور ان يكونوا بهذا اللاوعي واللادراك لما يحصل من تهديد للبشرية من جانب الارهاب العالمي …..
لم تكن المسيرة الجمهورية سوى لوحة سريالية صامتة خالية من دسم الشعور بالانتماء لكوكب الارض …..
الارض التي ولدت الانسانية عليها وترعرعت فوقها ملايين ومليارات البشر فهي تنتظر البشرية كي تقف بالمرصاد امام الارهاب من اجل ان يحظى الانسان بهويته كأعظم الكائنات المخلوقة على وجه الارض فكريا وفلسفيا واقتصاديا وتكنولوجيا ورياضيا وثقافيا وكل هذا ليس من اجل شيء سوى دفاعا عن …..
الحرية
الحلم
الامل
المستقبل
الحضارة
الشرف
كرامة الانسان