18 ديسمبر، 2024 11:45 م

المسيحيون والمسلمون والكريسماس

المسيحيون والمسلمون والكريسماس

فتح رسول الله (ص) المسجد النبوي ليصلي فيه المسيحيين صلاة عيد الفصح (Easter).

لم يشهد التاريخ أن قام قسيس مسيحي بإصدار فتوى تكفير لمسلم أو أحلوا دمه في التاريخ المعاصر على أقل تقدير. لم يقوموا بتصدير البيانات الحاقدة وتوزيع منشورات الفتنة والقتل وتصدير فتاوى حقد وكراهية وتكفير. ومما يثار هنا ذكر الحروب الصليبية والتي انتهت منذ زمانٍ طويل ومستنكرة جداً اليوم والتي شهدت دموية بشعة والتي كانت اكثرها بتحريض سياسي فاسد بحت كما يحصل اليوم بالكثير من الحركات الاسلامية المتطرفة.

في المشهد الرائع من فلم (الرسالة) الخالد والذي يصور لجوء المسلمين بقيادة جعفر بن ابي طالب (الطيار) الى النجاشي (المسيحي) في الحبشة (أثيوبيا حالياً) وقرأ له قوله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا). في هذه الايات القرانية وصف رائع ليوم الكريسماس.

الكريسماس (Christmas) يعني عيد ميلاد السيد المسيح الذي يصادف يوم 25/12 من كل سنة.

كان عمرو بن العاص يخادع ويغرر بالنجاشي ليفتك ويطرد المسلمين اللاجئين للحبشة، فلما سمع النجاشي تلاوة جعفر لتلك الآيات العظيمة من سورة مريم خاطب النجاشي المسلمين قائلاً:

(ليس بين ديننا ودينكم اكثر من هذا الخط) –وخط خطاً في الأرض- ثم التفت لعمرو بن العاص قائلاً (ياعمر والله ما أُسلِّم لكم هؤلاء بجبلٍ من ذهب) ثم التفت لجعفر قائلاً: (انطلق يا جعفر ومن معك وعيشوا بأرضي بسلام حتى يأذن لكم الرب بالعودة).

تصوروا أن يُقتل المخرج العبقري (مصطفى العقاد) مخرج فلم (الرسالة) بتفجيرات إرهابية بغطاء اسلامي في احد فنادق الأردن سنة 2005.

أما مقوقس مصر (القبطي) (المسيحي) فأستقبل رسول النبي محمد (ص) وبعث بهدية اليه ومنها الجارية (مارية) القبطية (المسيحية) والتي أصبحت زوجة للنبي محمد (ص) فيما بعد وولدت له ولده ابراهيم الذي توفاه الله بعمر 18 شهر، فأصبحت بذلك أماً للمؤمنين كبقية زوجات النبي محمد (ص) حيث كان في وقتها شُهرة إطلاق مسمى (أم المؤمنين) لكل زوجة للنبي (ص).

هنا يأتي أهمية ذكر ماذكره رسول الله (ص) من عهده لنصارى الأرض بما ذكره لوفد مسيحيي نجران القادمين من اليمن والذين صادف وصولهم للمدينة ايام عيد الفصح (Easter)عندهم فأمر الرسول الكريم محمد (ص) بفتح ابواب المسجد النبوي لهم للصلاة فيه بصلاتهم المعتادة بهذه المناسبة المقدسة عندهم.

من ثم كتب لهم رسول الله عهد دستوري. وسأقتبس نصه كما ذكره المفكر الأسلامي الكبير الدكتور (محمد عمارة) بكتابه (فقه الحضارة الأسلامية):

(ولنجران وحاشيتها وسائر من ينتحل دين النصرانية في أقطار الأرض جوار الله وذمة محمد رسول الله على أموالهم وأنفسهم وملتهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبِيعهم وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير. أن أحمي جانبهم، وأن أذب عنهم، وعن كنائسهم، وبَيعِهم (أي مكاسبهم) وبيوت صلواتهم ومواضع الرهبان ومواطن السياح وأن أحرس دينهم وملتهم أين ما كانوا بما أحفظ به نفسي وخاصتي وأهل الأسلام من ملتي لأني اعطيتهم عهد الله على أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين وعلى المسلمين ما عليهم حتى يكونوا للمسلمين شركاء في ما لهم وفي ما عليهم). –انتهى الأقتباس-.

يُروى أن من كتب هذا العهد هو عبد الله بن ابي بكر بإملاء رسول الله (ص) وقد توفي عبد الله بن ابي بكر في السنة الحادية للهجرة بعد وفاة رسول الله بأربعين يوماً.

يُروى أن لما نزل جبريل (ع) على النبي محمد (ص) في الجبل أخبر بذلك زوجتة الكريمة خديجة (ع) بتفصيل ما حدث، فشدت أم المؤمنين خديجة من عزم الرسول ببشارة نبوته ومضت تخبر ابن عمها ورقة بن نوفل النصراني (المسيحي) بذلك. فلما سمع ورقة بن نوفل منها تفصيل ما حدث قال لها‏‏:‏‏

(قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده، لئن كنت صدقتيني يا خديجة لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له‏‏:‏‏ فليثبت)‏‏.‏‏

ولعله من المناسب هنا ذكر اليهود. حيث يجب علينا التفريق في الكلام ما بين اليهود والصهاينة، فاليهود ديانة سماوية وعندهم التوراة. أما الصهاينة فهي حركة سياسية عنصرية تتخذ من اليهودية شعاراً كاذباً لها وأغلب مؤسسيها ومعتنقيها وسياسييها هم علمانيين مؤمنين بتعاليم مؤتمر صهيون وكتاب التلمود وليسوا يهوداً مؤمنين.

وكذلك الأمر ببقية الأديان ومنها الصابئة، يقول تعالى:

(إن الذين امنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من امن بالله واليوم الاخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون).

وبعد هذا كله وأخلاق النبي (ص) معهم وأخلاقهم معنا فسؤالي هو:

هل قام أحدكم أو من رجال الدين المسلمين أو من السياسيين اليوم بتهنأتهم والتواصل معهم في مناسباتهم والذهاب لكنائسهم كرد واجب الزيارة التي قاموا به لمساجدنا ودور عبادتنا ولتهنأتهم لنا بأفراحنا ومواساتهم لنا بأحزاننا. أم أن من هنالك من يفتي بحرمة حتى التهنأة لهم بالكريسماس؟!

المسيحيون في العراق:

سكن المسيحيون العراق سنة 59 ميلادية.

أي أنهم سكنوا العراق منذ (2017 – 59 = 1958) سنة.

سكنوا العراق منذ 1958 سنة ولم يتناول ذكرهم التاريخ إلا بكل خير وطيبة. لم يساهموا لا بدمار ولا بخراب ولا بإرهاب.

كان تواجدهم في العراق ليس بحرب صليبية ولكن بحركة تبشيرية هادئة كما يذكر الكاتب المعروف رشيد الخيون بكتابه (الأديان والمذاهب في العراق).

سكنوا وسط المسلمين وتعايشوا معهم وتواصلوا معهم في الأفراح والأحزان وليس في العراق وحسب بل أيضاً في مجتمعات إسلامية كبرى كأيران وفلسطين ولبنان وسوريا ومصر وغيرها من الدول المحيطة بالعراق.

بل كانوا يتواصلون مع المسلمين في المناسبات الدينية الأسلامية في الأفراح والأحزان.

ذاق المسيحيون ألم الجراح في العراق كما ذاقه المسلمين من تفجيرات وارهاب وقتل ودمار. وكما سالت دماء الني محمد (ص) التي أهرقها القوم بفتواهم وتفجيراتهم وسط حشود المسلمين فقد لاقتها دماء النبي عيسى (ع) التي أهرقها ذات القوم بفتواهم وتفجيراتهم وسط حشود المسيحيين.

النسبة السكانية للمسيحيين في العراق (2%) وهنالك (1%) يهود ويزيديين وصابئة وغيرها.

يبقى الدين لله والوطن للجميع، والله يقول:

(ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين).

وقوله تعالى:

(ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يُضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون).

من أجمل ما وُضِح به معنى (من يشاء) هو أن الله يهدي من يشاء أي (من يريد ويعمل على الهداية من الناس) وليس معناه (من يشاء الله هدايته). كذلك كان معنى يضل من يشاء (من لا يريد الهداية) أي كل انسان يحدد مصيره على ضوء ما يعمله وختم الله الاية بسمؤولية كل انسان عن كيفية ونتيجة عمله.

رأينا في العراق من أخلاق المسيحيين وطيبتهم الكثير. كل هذا والأخوة وأولاد العم من طوائف المسلمين متنازعين مع بعضهم البعض قساوة وكراهية وحقد وظلم.

وظلـم ذوي القربـى أشــدُّ مضاضة … على المرء من وقع الحسام المهند

في إعتقادي أن رسول الله محمد (ص) بكى على ضحايا تفجيرات الكنائس وقتل المسيحيين كما بكى عيسى (ع) على ضحايا تفجيرات المساجد والحسينات وقتل المسلمين.

رأيت النبي محمداً يبكي على ضحايا كنيسة سيدة النجاة ببغداد كما رأيت النبي عيسى يبكي على ضحايا تفجيرات الكاظمية وكربلاء والأعظمية.

ولكن هنالك الكثير ممن لم يبكوا ولم يحزنوا فقلوبهم كالحجارة بل أن من الحجارة لَما يتفجر منه الأنهار لكن قلوبهم أقسى.

في الوقت الحاضر ولمّا صادفت ذكرى عاشوراء الحزينة ومقتل الامام الحسين (ع) في أيام احتفالات ميلاد السيد المسيح فقد برهن الأخوة المسيحيين في العراق كما هو دأبهم بالتعبير عن سماحتهم ولطفهم فقد أصدر القساوسة توجيهاً بضرورة الأحتفال داخل المنازل في احتفالات رأس السنة الميلادية وذلك مراعاةً لحرمة شهر محرم وإحتراماً ومواساة للمسلمين بالمصاب الحزين لسيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (ع).

نفس هذا التصريح المسيحي نضعه قبالة فتاوى بعض علماء الدين المسلمين القاضي بتكفير وتفسيق وتضليل كل من يؤدي طقوس وعادات عاشوراء لدى الشيعة معطين الضوء الأخضر لكل مخبول ومتطرف بأسم الأسلام أن يفتك وينشر الرعب كيفما شاء دماغه العفن.

(إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم) قالها الله في كتابه المجيد ورأينا المسيحيين يطبقونها بينما أعرض عنها البعض ممن لقبهم في هوية التعريف (مسلم).

بعض وسائل الأعلام العربية (المسلمة) تناولت التصريح السابق لقساوسة المسيحيين في العراق بعدم الأحتفال في رأس السنة وحللته ونقلته بالشكل التالي:

(المسيحيون في العراق لن يحتفلوا بأعياد رأس السنة وذلك خوفاً من التهديدات الأرهابية)!

شكراً لوسائل الأعلام على دعمها الدائم ونصرتها الدائمة المتواصلة المتصلة لروح المحبة والأخوة لجميع بني الأنسان ونشرها الدائم (جداً جداً جداً جداً جداً) للحقيقة كما هو دأبها دائماً وأبداً ولا يخافون في الله لومة لائم بتاتاً وأبداً !!

وسأكتفي بوضع علامتي تعجب فقط مراعاة لضوابط الكتابة ومراعاة لضوابط وضع العلامات وفي الحقيقة كان بودي وضع الف علامة تعجب وإستنكار.

في النهاية وددت القول ميلاد مجيد للأخوة المسيحيين، وأدعو الله أن يحفظهم ويوفقهم لكل خير ويحميهم من كيد القتلة والمجرمين والإرهابيين.

آمين رب العالمين

كما وددت في النهاية إيراد حديثين للنبي الكريم محمد (ص). الأول: (إذا رأيتم الرجل كثير الصلاة كثير الصيام فلا تأبهوا به حتى تنظروا كيف عقله)، والثاني: (إصلاح ذات البين خير من عامة الصلاة والصوم).

إشاراتنا في الحب رمز عيوننا … وكل لبيب بالأشارة يفهمُ