السائد في المنشورات المتنوعة , التركيز على الزمن الجميل , والمقصود به الزمن الذي مضى , فما تلاه أتعس واقبح , هكذا توحي الصور والكلمات المتداولة عبر وسائل التواصل الإجتماعي.
فهل يصح في الأفهام هذا؟
لم أعثر على هكذا إقتراب في الدول التي خسرت الحرب العالمية الثانية , بل الذي ساد فيها بعد ذلك هو العزم والإصرار والتوثب إلى أمام , فتحققت أهدافها وإزدهى مستقبلها الذي نسميه حاضرها اليوم.
ويبدو أن مجتمعاتنا ذات نزعة نواحية , وعاهة تظلمية , وإستلطاف للنكد والقهر والجور في ربوعها , فهي إن لم تجد مَن يجلدها , تجتهد بصناعة جلاديها.
ومن النادر أن تجد كتابات متفائلة , وإن وجدت فهي منبوذة وذات مقروؤية متدنية , ويتهم أصحابها بأنهم يتخيلون أو يتهيأ لهم , ولا يمكن تصديق ما يذهبون إليه.
ويظهر ذلك واضحا , فالقصائد النواحية البكائية الندبية – على سبيل المثال – تلقى آذانا صاغية , أما التي تحث على الجد والإجتهاد والتحدي فتشيح عنها الأسماع والعيون.
الأمم تبنيها العزائم القوية المتوثبة المؤمنة بأنها ستتقدم وتكون , وتستثمر في طاقاتها وتؤسس لوجودها المعبر عنها , ولا تكون بالخنوع والمشاعر السلبية الخالية من الجدية.
ألمانيا تحققت , وإيطاليا واليابان , والكوريتان بعد حروبهما , وكذلك فيتنام , والصين ودول عديدة أخرى إنطلقت من ركامها في بدايات النصف الثاني من القرن العشرين , والعديد من دولنا بدأت في الربع الأول منه , وبقيت متأسنة بل ومتقهقرة إلى الوراء الأليم , تجتر ماضيها الذي تحسبه مشرقا وحاضرها الذي تراه أسودا قاسيا.
مجتمعاتنا التي أطفأنت أنوارها الروحية والفكرية والإبداعية , وأوقدت نيران الخراب والدمار , والإندحار في متاهات التبعية والدونية والخنوع لإرادات الآخرين , الذين قبضوا على مصائرها بحزم وتوحش.
ولن تكون إن لم تتحرر من وطأة المشاعر السلبية , وأهوال الإذلالية والتبعية , وتؤمن بذاتها وموضوعها , وتستثمر ثرواتها المادية والبشرية , وتنطلق في فضاءات عصرها المزدحم بمعطيات العقول الحرة الطامحة إلى أمجاد المطلق البعيد.
فهل سنؤمن بمستقبل سعيد؟