28 ديسمبر، 2024 4:23 ص

المستشارون وأشكالية الكفاءة الادارية

المستشارون وأشكالية الكفاءة الادارية

لم يكن على حد علمي وظيفة او درجة مستشار في الهيكل التنظيمي للدولة العراقية ، فلقد كان النظام المتبع منذ تأسيس الدولة يعام 1921 يقوم على اختيار الأشخاص من ذوي الكفاءة والخبرة للوظائف العامة العليا ، صحيح تم الالتفات وبشكل مستمر لأمور تتعلق بالنسب والعائلة والعشيرة ، غير ان الكفاءة لم تكن مركونة جانبا وخاصة للدرجات الوظيفية من درجة مدير عام فما فوق ، أما الدرجات الوظيفية الادنى فقد كانت تأتي بالتدرج والخبرة والشهادة العلمية ، وقد كان الوزراء في النظام الملكي يأتون ايضا حسب الاختصاص بالتدرج ، فقد كان صالح جبر مثلا قد تخرج من كلية الحقوق وعمل مديرا لناحية وقائمقام تم متصرف وبعد ذلك ولدخوله ساحة العمل السياسي أصبح وزيرا للداخلية ، وكذا ينطبق الحال على المرحوم توفيق السويدي ، او تولي المرحوم الدكتور فاضل الجمالي حقائب وزارية ومنها الخارجية التي ابدع فيها، وفي النظام الجمهوري ولحد عام 2003 وبرغم التعديات على الضوابط الادارية ، فإن الكفاءة كانت مأخوذة بالحسبان عند التكليف بالوظائف العليا ، باستثناء المعروف من التعديات على هذه الضوابط ابان حكم البعث . ولقد كان المدير العام على سبيل المثال المحاط بالمعاونين الفنيين من ذوي الخبرة والشهادة والتدرج الوظيفي هم مستشاروا هذا المدير العام، وقبل وصول المعاملة إليه لاتخاذ القرار النهائي تكون قد مرت بالمدير المختص والمعاون المختص وكل يبدي رأيه الاستشاري الممهور بالمعرفة التامة بالعمل وبالمنتسبين ، وعليه فانه سوف لن يتجاوز هذه المعرفة ، وقد كانت الاستشارة القانونية عند القسم القانوني الاستشارة الادارية عند المعاونية الادارية (قبل تطبيق نظام الاقسام والشعب ) وفي الشركات الانتاجية العامة هناك معاونية التسويق ، التي تهتم بالشؤون التجارية من استيراد للمواد الاولية او تسويق للمنتجات النهائية ، وتجد الى جانب المدير العام المعاون الفني ، وهو عادة مهندس مرموق يشرف على الجانب الفني للاجهزة والمكائن الانتتاجية ويشرف على أعمال الصيانة وإدارة المعدات وهذا القسم لا يسمح باللجؤ إلى القطاع الخاص في الصيانة والتغيير ، بل يقوم هو نفسه بسد النقص على وفق مبدأ التنظيم الهدفي . ويقف الى جانب الدير العام ايضا مدير الحسابات الاقدم الذي يقوم بدوره بمسك الحسابات العامة للشركة او المشروع ابتداءا من الانشاء الى الانتاج ، ويمسك بتلابيب الصرف الاصولي ويعد الميزانية السنوية ، ويبعث بالأرباح الى الخزينة المركزية ، ويبعث بالموازنة الختامية الى وزارة المالية قبل حلول الموعد المحدد ، وكذا ينسحب الحال على الشركات التجارية في القطاع العام والتي كانت ترفد الخزينة بملايين الدنانير سنويا، ولم يكن النظام الاداري يسمح باستمرار اي شركة او مشروع خاسر، كل هذه الأعمال الصناعية والتجارية وأعمال الدولة الروتينية الخاصة بتقديم خدمات البريد والنقل والصحة والتربية والتعليم العالي والدفاع والداخلية والزراعة وغيرها من أنشطة الدولة لم يكن للمستشارين اي موطئ قدم ، ولكن ولغرض تشغيل الأعوان والتابعين ولغرض تجاوز مبدأ عدم كفاءة المسؤول المعنيين بعد 2003 ، تم ابتداع درجة المستشار للتغطية على الفشل الشخصي والموضوعي للمسؤول المعينين بعيدا عن الضوابط والاصول الادارية ، ولقد تم تعيين او انتداب المستشار غير المختص او المستشار الأمي او المستشار البعيد عن اختصاص الدائرة ، مما أفقد الدائرة فرص تعيين الأكفاء من الاختصاصيين بموجب تعليمات وضوابط مجلس الخدمة السابق، ولقد كان لحكم البعث التقصير المتعمد عند حله لمجلس الخدمة العامة ، ليتم التعيين وفق الضوابط الحزبية ، التي مهما بلغت من الوطنية والقدسية لا يمكنها أن تقف أمام عدالة مجلس الخدمة العامة القائمة على اعتبارات كثيرة ومنها الكفاءة من خلال الامتحان والمنافسة الشريفة .
ان التعويل على المستشارين هو عمل ينم عن عجز المسؤول وعدم كفاءته وبأي موقع كان ، وانه يعمل على هدر المال العام ، وأن السكوت على غياب مجلس الخدمة العامة ، هو سكوت على الباطل ، وقمع للكفاءات ومحاربة صريحة لعملية تقدم العراق الجريح…