23 ديسمبر، 2024 9:28 ص

المستحيلات الثلاثة والواقع العراقي

المستحيلات الثلاثة والواقع العراقي

عرف عند العرب قديما انهم كانوا يقولون بالمستحيلات الثلاثة ويتداولونها في اغلب احاديثهم وجلساتهم والمستحيلات الثلاثة التي سموها هي ( الغول والعنقاء والخل الوفي ) فالغول كانوا يروون قصص خيالية عن وجوده ويصفونه بالوحش الكبير والقاتل والذي يفتك بالبشر فذهب عدد كبير منهم لإخافة الاطفال اي انه من سرد الخيال والمستحيل اما العنقاء فهي قصة لطائر العنقاء وايظا من وحي الخيال لديهم وليست واقعية ويقولون ان طائر العنقاء الكبير بحجمه وجناحيه مات واحرق وصار رماد وبعدها عاد من الرماد حيا من جديد وبفعلته هذه اصبح خارق للطبيعة اما المستحيل الثالث الذي سردوه في قصصهم هو الخل الوفي وهذا الامر جعلوه بمثابة الامر المستحيل في ان تجد وتصادف خلا وصديق وفي او اخ للدرجة التي يتمنونها فعلا فعز عليهم ان يرو طيلة اعمارهم انسان يتصف بالنبل والخلق والوفاء ؟
ان واقعنا العراقي المعاش منذ عدة سنوات لا اعتقد جازما ان يتغير بسهولة بمظاهرات وهتافات اوشعارات فلطالما رفعت ورددت شعارات رنانة وكبيرة ومن شرائح وقوى حزبية ودينية ومجتمعية شتى ولكن بدون اي تغيير او ايجاد حلول جذرية للواقع المعاش فأصبح واقع بلادنا مستحيل رابع ضمن مستحيلات العرب التي ذكروها ان ما رأيناه ولمسناه وعايشناه على ارض الواقع من سرقة وفساد وكذب وخداع ومماطلة ونفاق وتشتت وخيانة وقتل للنفس المحرمة وإزهاق للأرواح ونهب وسلب من قبل عصابات ومافيات ورموز سياسية وحكومية ومجتمعية لا يدع مجال لوجود فسحة امل ستطيع المواطن العراقي ان يرى من خلالها مستقبل مشرق فالوضع السياسي والذي بني على اساس حزبي وطائفي مقيت لا يمكن اصلاحه بين ليلة وضحاها لاسيما ان المتصدين للعملية السياسية يعيشون البذخ والنعيم المطلق بأموال الضعفاء والمساكين من ابناء الشعب العراقي وهم في واد وأبناء شعبهم في واد اخر حيث انعكس هذا الوضع المتردي على كافة الصعد والجوانب الاخرى حتى انقسمت شرائح المجتمع الى طبقتين طبقة مترفة مؤيدة بطبيعة الحال لما عليه الوضع العراقي من تدهور وفساد مالي وسياسي وهي المستفيدة مما يمر به البلد من ازمات وتردي وطبقة اخرى وهي الطبقة المسحوقة والمعدومة والتي لا تستطيع ايصال صوتها الى مسامع الذين اتخموا من اموال وخيرات البلد .
ان العراق يعيش حالة لا يستطيع اي عاقل وصفها بكلمات او بشعارات ولا حتى عبارات دقيقة فقوانين البلد التي تهتم بالمواطن وتدعم حياته الاقتصادية والترفيهية معطلة وأصبحت دوائر الدولة نقمة على المواطن البسيط وليست نعمة وذلك بسبب الروتين القاتل وقرارات وقوانين حزب البعث المجرم والتي ما تزال سارية المفعول ويعمل بها في جميع الدوائر الحكومية اضافة الى اعتماد البلد على منفذ اقتصادي وحيد وهو النفط فلا وجود لمعامل او مصانع فجميعها معطلة وانتشار البطالة والتخلف الثقافي والعلمي والصحي وتربوي كل ذلك سببه الفساد الذي نخر البلاد وقتل العباد فخروج المظاهرات سوف لن ولم يغير الوضع وذلك لعدة اسباب من ضمنها ان الحقوق وكما قيل قديما لا تؤخذ او تسترد ألا بالقوة فما اخذ بالقوة يرجع بالقوة قال تعالى ( يا يحيى خذ الكتاب بقوة ) اضافة الى ان المتتبع للتاريخ العراقي السياسي يجد ان واقعه لم يتغير بخروج التظاهرات بل غير بلقتل والانقلابات العسكرية والحيلة والغدر اذا فهي ثقافة عامة وليست طارئة ان اغلب السياسيين العراقيين المتصدين للعملية السياسية يعلمون جيدا انهم لم يتركوا مناصبهم او ملذاتهم الدنيوية الشخصية والحزبية بسهولة فلقد جاءوا ليبقوا وبشتى الصور ولا يمكن زحزحتهم من مناصبهم ألا بوجود قوة متكافئة على ارض الواقع تستطيع مجابهتهم والعاقل لا يلدغ من جحر مرتين ان الحل الوحيد لقضية العراق المستعصية هو التغيير لكل شيء من اعلى الهرم نزولا الى ادنى مستويات الحياة الاجتماعية وهذا من المستحيلات التي تحدثنا عنها سالفا ألا ما رحم ربي .