23 ديسمبر، 2024 5:33 ص

المسئولية المجتمعية للشركات .. رؤية مستقبلية!

المسئولية المجتمعية للشركات .. رؤية مستقبلية!

فقر وبطالة وعشوائيات.. مثلث معاناة المصريين لفترات مديدة، لكن أتساءل أين المسئولية المجتمعية للشركات والتي يفترض أن تصبح حجر زاوية في جهود البلاد لانتشال ملايين الفقراء في مجتمعنا من أيتام وأرامل وغارمين وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة والشباب الطامح لتأهيله لسوق العمل أملاً في حراك اجتماعي جاد طال انتظاره بين طبقتي مجتمعنا المتحجرة.

كلها فئات تحلم بـ “يد” تُمَد لهم لمساندتهم، وعلى الرغم من مبادرة عدد من الشركات المصرية لتدارك مسئوليتها المجتمعية إلا أن تلك الشركات لا تمثل نسبة كبيرة مقارنة بأقرانها القادرين على تحمل تلك المسئولية.

السويد والدنمارك وفنلندا.. كالعادة تتصدر إسكندنافيا قائمة البلدان ذات الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية تدعمها سياسات حكومية بالغة الدقة لاستدامة تلك الرفاهية للأجيال القادمة، ففي تقرير صادر عن المركز المصري لدراسات السياسات العامة، تم طرح تعريف البنك الدولي والاتحاد الاوروبي لهذه المسئولية على أنها الالتزام بالإسهام في التنمية المستدامة من خلال تقديم الدعم العيني في شكل خدمات كالتعليم ومشروعات البنية التحتية والصحة، وهذا التعريف يؤكد نظرة صناع القرار على المستوى الوطني كدول الاتحاد الأوروبي والمؤسسي الدولي كالبنك الدولي للمسئولية المجتمعية للشركات على أنها عمل تطوعي وليس الزامي، بل يذهب البعض لربط تلك المسئولية بالضرر التي تتسببه الشركات في المجتمع والبيئة لاسيما شركات السجائر ومنتجي الصناعات الكيميائية وهو ما قد يتناسب مع التوجه العالمي الراهن لحماية الصحة العامة والخاصة من التدخين وإنقاذ البيئة من التلوث ومغبة الاحتباس الحراري.

مشاريع الشركات تدر لها أرباح طائلة بلا شك، ولا أرى التزامها بخدمة المجتمع التي يغذيها بالأرباح عملاً تطوعياً أو عقابياً لإضرارها بالبيئة مثلاً، بل كلا الطرفان يحتاج للأخر، المستهلكين ورجال الأعمال، فهناك تغذية عكسية تعود على الشركات بالأرباح من مشاريعها وأنشطتها المجتمعية مثل مكافحة الأمية وتأهيل الشباب وتدريبهم لسوق العمل وانتشال أطفال الشوارع الذين هددوا أمن واستقرار المجتمع وبالتالي استقرار الاقتصاد ذاته بما يلحق ضرراً وخيماً في النهاية بمصالح الشركات.

لذا أرى حاجة ملحة لإعادة صياغة مفهوم (المسئولية المجتمعية للشركات) بل ولمراجعة نظرة تلك الشركات لمسئوليتها ودورها المجتمعي لكي لا تقتصر فقط على (التطوع والعقاب).

ففي التقرير الذي أشرت إليه سابقاً، تم إلقاء الضوء على بعض الممارسات التي تقوم بها الشركات تحت مظلة (المسئولية المجتمعية) مثل تقديم مشاريع وأعمال خيرية بغرض التهرب من الضرائب لتصبح المشروعات الخيرية غطاءً لهم.

وعند إلقاء الضوء على أهم محطات تحمل الشركات بمصر لتلك المسئولية، تأتي مبادرة (العلم قوة) التي أطلقتها مؤسسة “ڤودافون مصر لتنمية المجتمع” بهدف محو الأمية.

من الموقع الالكتروني للمؤسسة، أقتبس أول كلمات كتبتها المؤسسة المحترمة:

(من منطلق الواجب الوطني والمسئولية المجتمعية أطلقت مؤسسة فودافون مصر لتنمية المجتمع مبادرة العلم قوة لمحو الأمية في مصر في خمس سنوات)

نعم.. هو واجب وطني ومسئولية وليس عملاً تطوعياً أو عقابياً كما يدعي البعض، شركة فودافون تمول والمجتمع المدني ينفذ، أكثر من 140 مليون جنيه فاتورة خدمة المجتمع التي أنفقتها مؤسسة فودافون منذ تأسيسها عام 2003، هناك شركات أخرى تحملت مسئوليتها تجاه المجتمع مثل شركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة التي تقدم تمويلاً سخياً لمؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية لتنفيذ مشاريع مجتمعية تخدم الشباب المصري، ففي عام 2000 أطلق تلك المؤسسة مشروع “أونسي ساويرس” للمنح الدراسية في الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تمكين شباب مصري من نيل خبرة ودرجة أكاديمية هناك ثم العودة للمشاركة في بناء الوطن، وخلال 17 عام نال حوالي 70 مصرياً منحاً بأمريكا، ووفق ما نشره الموقع الإلكتروني للمؤسسة.. فإن الهدف الأساسي من هذا المشروع ضمان محافظة الاقتصاد المصري على تنافسيته من خلال رفد قوته العاملة بدفق مستمر من المهنيين المحفزين والموهوبين الذين يركزون على النتائج، بل ودفع عجلة الإنتاج والتطوير لهذا الاقتصاد عبر تحسين نوعية المعيشة لكل فئات المجتمع المصري الذي شهد تهميشاً وفقراً لا نظير له خلال العقود الثلاثة الماضية، وهو ما يؤكد بلا أدنى شك صحة رؤيتي لمفهوم المسئولية المجتمعية للشركات بمصر التي قد يراها البعض يسارية من الطراز الفاخر لكنها فعلياً تخدم اليمين أيضاً.

وقد لفت انتباهي خلال الأسابيع الماضية تدشين مجموعة سيراميكا كليوباترا شركة جديدة للتنمية العقارية دون إبداء أي اهتمام بعمل مؤسسة أو مشاريع تخدم المجتمع، رغم تحقيقها أرباحاً مليارية خلال العامين الماضين فقط بفضل عروضها على السيراميك التي حملت نسبة خصم لـ 52%!!

وفي نهاية مقالتي.. أؤكد على أن المسئولية المجتمعية للشركات ليست أمراً ترفيهياً أو مجاملة من تلك الشركات، بل هي فريضة غائبة وواجب وطني لابد من تأديته لخدمة وتنمية المجتمع برعاية كافة فئاته، ففي النهاية هذه المسئولية تعود بالنفع على الشركات نفسها بخلق جيل شاب قائد ومخترع ومبدع ذات جودة تأهيلية عالية لسوق العمل بل وخلق أيضاً بيئة آمنة للاستثمارات الأجنبية وخالية من العشوائيات وأمراضها الاجتماعية.

هل ستشهد مصر بالفترة القادمة اهتمام بتشريع قانون ينظم المسئولية المجتمعية للشركات، بل ويلزمها بها!!

تساؤل يبحث عن إجابة اليوم.. وقد يطرح ضرورة غداً.