العراق لم يكن بعيدا عن التأثيرات السلبية للازمة الاقتصادية العالمية والتي الحقت الضرر الكبير باقتصاديات العالم ومنها الاقتصاد العراقي ولكن على الرغم من التفسيرات النظرية التي تناولتها بعض المرجعيات والايدولوجيات المختلفة في تحديد التحديات الخطيرة التي هزت الكيان الاقتصادي العالمي الذي تمثل في مقدار مالحقه من دمار وخراب في العديد من المصارف والمؤسسات المالية التي انحدرت الى الافلاس فأن نسق الرأسمالية العالمية تشير الى ضعفها في تجاوز اختراق ومعالجة هذه الازمة المالية المعقدة لمنع تفاقم سريانها المستمر نتيجة واقعها المتناقض المتسم بالمنافسة الحادة من اجل السيطرة والاستحواذ على الاسواق العالمية وبالتالي فرض الهيمنة وتبعية اقتصاديات الدول نحو القطب الواحد الذي يمتلك الارتباط بالدولار في السياسة النقدية العالمية وفي السيطرة على الاسواق الخارجية في العالم.
ان هناك علاقة متبادلة بين الادخار والتنمية حيث تتأثر التنمية بحجم المدخرات المتاحة للاستثمار وان درجة تأثير الاستثمار على التنمية تتحدد وفقا لمدى توافر السياسات الانتاجية والعمالة المناسبة ،كما ان التنمية عنصر اساسي محدد للادخار خاصة في الدول ذات الدخول المنخفضة وتبقى تنمية المدخرات محور السياسة الاقتصادية لضمان التمويل الكافي للاستثمارات المطلوبة والملائمة للوصول للتوظيف الكامل وكذلك لتجنب فجوة الموارد المحلية التي تحدث نتيجة تجاوزالاستثمار للمدخرات والتي تؤدي الى التضخم ، لذا ينبغي التأكيد على اهمية تعبئة المدخرات المحلية والتي تعتبر شرطا من الشروط الاولية لتحقيق معدل مناسب من الاستثمارات ومن التنمية الاقتصادية . وتلجأ الدول الى المدخرات الاجنبية في حالة عدم كفاية المدخرات المحلية كما وينبغي ان يكون مناخ الاستثمار ملائما اومشجعا للمستثمر فكلما كانت الظروف الداخلية مستقرة كانت اكثر جذبا للاستثمارات خاصة الاستثمارات الاجنبية.
الحروب المستمرة التي دخلها العراق خلال الفترة الماضية حالت دون تحقيق الهدف الاساسي من استغلال عائدات النفط في توليد النمو في القطاع غير النفطي وعلى نحو لايرتبط مباشرة بعوائد النفط وبالتالي جعل الاقتصاد اكثر قوة ومرونة في مواجهة الصدمات الخارجية فالسوق النفطية المعروفة بتقلباتها نتيجة التذبذب في الاسعار بين الحين والاخر تجعل من عملية التخطيط في هذا القطاع عملية صعبة ، لذلك يجب اعطاء دور للقطاعات الاخرى كما الزراعة والصناعة وبالشكل الذي يجعل تأثير الهزات على الاقتصاد اقل حدة من التي يحدثها قطاع النفط على الاقتصاد العراقي ،اضافة الى ان قطاع النفط يعد من القطاعات قليلة الامتصاص للبطالة بسبب كونه قطاع يتطلب زيادة في راس المال وان تطوير وتكييف قطاعات الزراعة والصناعة والخدمات التي تمتاز بأنها ذات زيادة في استخدام الايدي العاملة سيساعد في امتصاص البطالة. فالعراق لم يستغل الثروة النفطية طوال الخمسين سنة الماضية لتوفير تمويل مستدام بغية دفع مسيرة التنمية ،ومن هنا تبرز ضرورة تحقيق هدف تنويع القاعدة الاقتصادية الوطنية وايجاد محفزات متنوعة لنمو الاقتصاد من خلال الارتكاز على تعظيم القيمة المضافة للنفط وزيادة عوائده كمدخل للتنويع الاقتصادي. العراق اليوم مطالب بالعمل على فك ارتباط نمو الناتج المحلي مع الصادرات النفطية وتقليل الاعتماد على مصدر واحد للدخل والاتجاه نحو التنوع من خلال أعادة هيكلة الاقتصاد على المستوى الكلي والقطاعي وصولا إلى هيكل اقتصادي يتواءم مع متطلبات التنافسية والنمو ويضمن المرونة في مواجهة التغيرات المتلاحقة على الصعيد الدولي.
وبالرجوع الى خطة التنمية الوطنية 2014-2010 فقد اكدت هذه الخطة على بناء الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص وبمختلف اشكال واساليب الشراكة وعقود الامتياز ،فتح المجال امام الاستثمارات الاجنبية المباشرة وغير المباشرة مع استمرار تطوير القوانين والتشريعات التي تنظم ذلك ، انسيابية وتبسيط الاجراءات الحكومية وتطوير القوانين المشجعة للاستثمار وخلق موقع تنافسي للعراق في التعامل مع رجال الاعمال والمستثمرين . لذا لابد من ايلاء القطاع الخاص دورا متزايدا في تحقيق الاهداف العامة التي توجه سياسات القطاع الخاص من خلال : تسريع نمو القطاع الخاص لاتاحة المزيد من فرص العمل للمواطنين مما يؤدي الى انعكاسات ايجابية على اداء الاقتصاد الوطني ومستوى المعيشة من خلال الاهتمام المتزايد بقطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة ،تحقيق المزيد من التنويع للقاعدة الاقتصادية مع التركيز بصفة خاصة على زيادة الصادرات غير النفطية ، رفع مستوى الكفاءة في الاقتصاد الوطني من خلال الاستخدام الامثل للموارد ،زيادة قدرة الاقتصاد العراقي على التكيف بمرونة خاصة مع التغيرات التقنية والاقتصادية السريعة على مستوى الاقتصاد العالمي وكل ذلك من شأنه ان ينعكس في : زيادة اسهام القطاع الخاص غير النفطي في الناتج المحلي الاجمالي وبالشكل الذي يعكس الدور الريادي للقطاع الخاص في تنويع الاقتصاد بعيدا عن اعتماده على الصادرات النفطية وتشجيع القطاع الخاص على زيادة اسهامه النسبي في التجارة الخارجية من خلال تكثيف الحوافز والمساعدات الفنية التي تسهم في تحسين قدراته التنافسية في الاسواق العالمية . توسيع مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني من خلال تمويل بعض الانشطة الاقتصادية وتوسيع اشراكه في التنمية الاقتصادية وتمكينه من القيام بدوره في الاستثمار والتمويل الى جانب وجود القطاعات المؤهلة في الاقتصاد ليس شرطا كافيا لتحقيق التنمية وتنويع القاعدة الاقتصادية مالم يتوفر مناخ اقتصادي ملائم يشجع على زيادة الاستثمارات في هذه القطاعات.
ان انخفاض سعر النفط في بورصات النفط العالمي يؤثر تأثيرا مباشرا على المشاريع العراقية التي كما كان مخططا لها كما ان هبوط الاسعار ستؤثر بشكل واضح في الصناعة النفطية في العراق وفق الخطط المهيأة لها من قبل الحكومة ومما لاشك فيه ان الخطط المزمع تنفيذها لتطوير الصناعة النفطية تعتمد بالاساس على زيادة الانتاج وتجاوز المعدلات السابقة التي تراوحت بين مليونين الى مليونين ونصف برميل في اليوم , والتي من المؤمل ان تصل الى أربعة ملاين برميل في اليوم ولكن الصورة قد تختلف من جراء الازمة المالية وتأثيراتها السلبية والسريعة لأنها ادت الى عدم قدرة البنوك والمؤسسات الكبيرة في الاستثمار نتيجة افلاسها او عدم قدراتها المالية للدخول في الاستثمارات للمشاريع العملاقة وعلى هذا الاساس ربما الازمة المالية الحالية ستدفع الشركات والمؤسسات الى ارجاء استثماراتها ,وعند الوقوف على اسباب الازمة المالية العالمية التي انطلقت من الولايات المتحدة الامريكية والافكار والطروحات المختلفة التي تناولتها المرجعيات النظرية والايديولوجية التي يدور محورها في الاطار العرضي دون جوهر الاسباب الحقيقية التي تكمن في عمق الازمة وخلفياتها التي تجلت في مظاهر افلاس المصارف المركزية والمؤسسات المالية الكبيرة في الولايات المتحدة الامريكية التي جاءت نتيجة الرهن العقاري ومشكلة الاقساط المستحقة اوارجاعها الى تفاقم بطاقات الائتمان التي سببت الحاق الضرر في الكثير من المصارف, وقد امتد التأثير السلبي السلبي لهذه الازمة ليشمل دول العالم ,وخاصة في اسواق المال والبورصات الاوربية والاسيوية والعربية علما ان الاسباب الحقيقية ابعد من حصرها في هذا الاطار المطروح من قبل الاوساط التي كانت تطبل للامبريالية الامريكية دون التوسع في عمق جوهر هذه الازمة التي تعرض الاقتصاد العالمي والمجتمع الانساني والاجتماعي نحو الانحدار في مشاريع التنمية لمجتمعات الدول النامية التي تتعرضت الى انخفاض معدلات دخولهم الى جانب الاختناقات المتفاقمة والازمات المالية والاقتصادية.
ان المتتبع لايمكن ان يتجاهل خلفية هذه الازمة الملازمة للنظام الامريكي وامتداداتها المرتبطة بنهج العولمة وافرازاتها الكبيرة المؤثرة في الاقتصاد المالي والنقد العالمي الذي شمل مظاهر عديدة في الحياة العامة للمجتمع الدولي والتي تضمنت الاقتصاد والسياسة والاجتماع. من هنا يجب ان ندرك ان كثيرا من الحقائق والتداعيات المرافقة للنظام الاقتصادي الامريكي كانت تخضع للنهج التوسعي والسيطرة على اقتصاد العالم ,ذلك الاقتصاد المرتبط بالدولار الذي ابرز سماته السوق الحرة، واقتصاد السوق والاحتكار للاسواق الخارجية في العالم.