23 ديسمبر، 2024 1:22 ص

تسعة رؤساء وسليم بصري واحد

تسعة رؤساء وسليم بصري واحد

تسعة رؤساء وسليم بصري واحد بالرغم من كل ما اشارت اليه اقلام تقييم النقد الفني لمدرسة المرحوم سليم البصري واداءه المميز التلقائي ، والذي امست الكثير من جمله عباره عن لازمة يستخدمها المواطنون العراقيون باختلاف مستوياتهم الثقافية واعمارهم ، فلقد تفوق على ابناء جيله ومن سبقه ولحقه بدخوله الى بيوتات الناس دون استئذان كأنه صديق واب واخ للاسرة العراقية ، دليله الدائم.
( عبوسي ) الذي لم تظهر اي ملامح لصلة قرابة او دم بينهما طيلة حلقات ( تحت موس الحلاق ) ، مما يسلط الضوء على جانب مهم من ثقافة تلك المرحلة وابجدياتها في المجتمع العراقي المليء بقيم الانسانية والتلاحم ، بالاضافة الى الكم الهائل والدسم من العفوية في الاداء والحوار ، مما يجعلك طيلة الوقت مشدودا الىالمسلسل ، كي لا تغادرك في لحظة سهو ( تحشيشة ) من البصري المعلم الكبير ، وبالرغم من بساطة الادوات المستخدمة في حينها كاكسسوارات وديكور وانارة وزوايا كاميرا ، الا ان البصري حجب رؤية المشاهد تماما عنها وجعله متبسمرا امام الشاشة يتقبل الافيهات والنكات بشيء عالي من الاسترخاء ، لقد مرت على سليم البصري ومحله للحلاقة و ( چراويته ) البغدادية عشرات السنوات الا انها لازالت راسخة في ذهن العراقيين كجزء من موروث الذاكرة الجميلة وحنين لماضي اجمل ، اكثر ما يمكن وصفه بأنه مرحلة الزمن الجميل ، على مستوى الوضع الاجتماعي الذي اختزله ابداع سليم البصري في حلقات معدودة ، نسج من خلالها بخيوط الحرير صورة جميلة لمرحلة عاشها وترجمها البصري استمرت خالدة لمراحل لحقتها حتى بعد مماته ، تركت بصمتها الدائمة للفرح بإنعكاس اجتماعي مبني على الفطرة الانسانية النظيفة المصفاة من ملوثات العصر الذي زامنها مع تقلبات سياسية ،وعمليات الصراع و ( السحل ) واعمدة الكهرباء التي تحولت الى مشانق لرقاب العراقيين ، والتصفيات الجسدية والاغتيالات والحروب الطائفية ، لقد احتوت مرحلة سليم البصري حقبة الستينات برحمانييها والسبعينات ببكرها ، واستمرت خالدة في عقل ووجدان المواطن العراقي لغاية الان فاخترقت المرحلة الصدامية وما بعدها من علاويها وجعفريها ومالكيها وعباديها وعبدالمهديها وكاظميها ، فوثق البصري صورة اجتماعية نقية وجميلة للمرحلة ، ولقيمة الفنان الذي احتوى الشعب ، فضمه الشعب في ضميره وقلبه ، بدون ان يضع جيوشا على بواباتهم او يسلط عليهم عشرات القنوات التلفزيونية والاف من الطبالين ، كما فعل تسعة من رؤساء العراق ، الذين تفوق عليهم سليم البصري بحب الناس وامتلاء ذاكرتهم به ، فنال اثرا طيبا وذكرى متلألأة ، ولم ينالوا الحكام من الشعب سوى الاثر السيء ، وافضوا به الى صورة من التوحش والسوداوية ، سليم البصري وفنانين كثيرين هم رسالة هادئة سامية ودائمة ، امام صورة هيجان الحكام وجبروتهم وزوالهم الحتمي من الوجود والذاكرة ، الذين لم يخلف التاريخ لهم شيء يذكر سوى اللعنة.