يعد رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري ثالث سياسي رفيع المستوى يحظى بزيارة المرجع الديني الكبير اية الله العظمى السيد علي السيستاني في غضون ثلاثة اسابيع.
في العشرين من شهر تشرين الاول-اكتوبر الماضي زار رئيس الوزراء حيدر العبادي المرجع السيستاني في مكتبه بمدينة النجف الاشرف، قبل ان يتوجه-اي العبادي-الى طهران في اول زيارة خارجية له بعد توليه المنصب التنفيذي الاول في الثامن من شهر ايلول-سبتمبر الماضي خلفا لنوري المالكي، وفي التاسع من الشهر الجاري حظي رئيس الجمهورية فؤاد معصوم بلقاء المرجع عشية زيارته للمملكة العربية السعودية.
ومن المعروف ان السيد السيستاني قرر قبل اربعة اعوام غلق ابواب مكتبه المتواضع في احد ازقة النجف القديمة امام السياسيين العراقيين، كتعبير واضح عن التحفظ والرفض لمجمل الاداء الحكومي، وبقي متمسكا بموقفه هذا رغم سعي الكثيرين من الذين يشغلون مواقع متقدمة للقائه.
والى وقت قريب، طرح البعض تساؤلا على مقربين من المرجع السيستاني، وهو “متى سيعيد المرجع النظر بموقفه ويستأنف لقاءاته بالساسة، لاسيما وان الواقع السياسي قد تغير”، وكان الرد “ان المرجع السيستاني سيفتح ابوابه بعد اكتمال تشكيل الحكومة، اي بعد تسمية وزيري الدفاع والداخلية”، وبالفعل لم تمر الا ايام قلائل على تسمية الوزيرين ووزراء اخرين، حتى وجدنا ان السيد السيستاني يستقبل رئيس الوزراء الجديد.
وقد اراد من وراء ذلك ان يطلق عدة رسائل وليس رسالة واحدة، ولعل تلك مضامين تلك الرسائل ظهرت عبر ما نقله كل من العبادي وبعده معصوم ثم الجبوري على لسان السيد السيستاني بعد لقاءاتهم به، خصوصا وانها جاءت قبيل سفر كل واحد منهم الى دولة اقليمية لها ثقلها وتأثيرها وحضورها.
الرسالة الاولى التي اراد ان يطلقها السيستاني، هي انه يدعم التغييرات الجديدة في الشخوص، ويعتبرها مقدمة لتغييرات في المناهج والاساليب.
والرسالة الثانية، مفادها ان دعمه محكوم بضوابط وشروط، اهمها اصلاح الواقع القائم، عبر محاربة الفساد، وترسيخ الوحدة الوطنية، وبناء الثقة بين مكوناته، والاهتمام بأوضاع الناس والسعي لتحسين ظروفهم الحياتية-امنيا واقتصاديا وخدميا-
والرسالة الثالثة، ضرورة تعزيز سياسة الانفتاح على المحيط الاقليمي وفق رؤية ناضجة ودقيقة، بما يساهم في القضاء على الارهاب وتفعيل دور العراق وحضوره السياسي في المحافل المختلفة، والنهوض بواقعه الاقتصادي.
ولم يكن امرا عفويا ان يلتقي السيستاني برئيس الوزراء الجديد قبيل توجهه الى ايران، وبرئيس الجمهورية قبيل توجهه الى السعودية، وبرئيس البرلمان ايضا قبيل توجهه الى السعودية، ولاشك انه اذا لم يكن المرجع الاعلى قد حمّل هؤلاء الساسة رسائل الى زعماء الدول التي زاروها، فأن مجرد لقائه بهم من حيث التوقيت يمثل بحد ذاته رسالة من اليسير ان يقرأها الاخر ويفهم دلالاتها ومعانيها.
مايتفق عليه العراقيون على اختلاف توجهاتهم وعناوينهم، هو الدور المحوري المهم لمرجعية النجف الاشرف في توجيه مسارات الامور، وفي التدخل الحكيم في الوقت المناسب لنزع فتيل الازمات التي تحدق بالبلاد.
ولعل الجميع يتذكرون فتوى الجهاد الكفائي التي اصدرها المرجع السيستاني بعد احتلال تنظيم داعش الارهابي محافظة نينوى ومناطق اخرى من صلاح الدين والانبار في بدايات شهر حزيران-يونيو من العام الجاري، تلك الفتوى التي حالت دون سقوط العراق بقبضة الارهاب التكفيري الداعشي، وعززت الوحدة الوطنية بين ابنائه، وافرزت المواقف السليمة عن المواقف المنحرفة.
ومثلما تدخلت المرجعية قبل خمسة شهور حينما وجدت ان ذلك التدخل ضروري وحاسم، فأنها اليوم تقدر ان اعادة فتح ابوابها للزعماء الجدد امر ضروري هو الاخر، من شأنه ان يساهم في الدفع بمسيرة الاصلاحات، وتخفيف احتقانات المشهد السياسي العراقي، وتهيئة وتمهيد الارضيات لحلول ومعالجات لابد منها، وخصوصا في هذه المرحلة الحرجة والحساسة التي يواجهها العراق وعموم المنطقة.