تمر علينا هذه الأيام ذكرى رحيل زعيم الطائفة السيّد “محسن الحكيم” راحلاً عنا في وقت كان البلد في أمس الحاجة اليه، كحال بقية العلماء الذين رحلوا وتركوا إرثاً علمياً، واكبوا مسيرة حوزة النجف التي لا تخلوا من فطاحل في العلمية والمواقف.. منهم من ضحوا بأرواحهم في سبيل إعلاء كلمة الحق، وتقويم الحياة الإسلامية الكريمة للفرد المسلم، سواء على مستوى الوطن ومحيطه، أو باقي دول العالم التي تنهل من علم هذه الحوزة، التي حيرت العالم بتماسكها وكلمتها المسموعة والمطاعة، ولسنا ببعيدين عن فتوى الجهاد الكفائي .
بذل “قدس” جهوداً كبيرة لتعزيز الوجود الحوزوي، من خلال جذب الطلاب للإلتحاق بدراسة العلوم الدينية، حتى بلغ عدد الطلاب في زمانه ثمانية آلاف طالب علم، بعد أن كان العدد يتجاوز الف طالب بقليل.. كذلك تأسيسه لمدرسة العلوم الإسلامية، وإضافة مجموعة من العلوم كالفلسفة والكلام والتفسير والإقتصاد الى الدرس الحوزوي…
وضع منهجا ثقافيا يُمَكّن الطلاب من التعرّف على الأفكار الإلحادية كالشيوعية، وتحذير كبار العلماء من الخطر المحدق بالعالم الإسلامي، والتصدي لحالة إنحصار الدرس الحوزوي في النجف الأشرف، ليأمر بتوسيعه الى أماكن أخرى، من خلال دعم بناء وتأسيس حوزات علمية في كل من، الباكستان والسعودية وبعض البلدان الأفريقية، وتسهيل مقدمات الإقامة ومستلزمات الدراسة للطلاب الأجانب، كتخصيص مدرسة للطلاب الهنود وأخرى للأفغان وثالثة لطلاب للتبيتيين.
كان الأثر الذي تركه بالغاً في حياة العراقيين، خصوصا وهم يرون ما تعرض له أبناءه، الذين ذاقوا من حكم البعث أسوء المعاملة كالتضييق والحجز القسري، وشمل كل العائلة حتى بعد مماته، فكان عدد الشهداء لهذه العائلة النصيب الأكبر، ومنهم من التجأ لدول الجوار، ولم يسلم منهم سوى “شهيد المحراب” “وعبد العزيز الحكيم” “والفقيد السيّد محمد سعيد الحكيم” لكن هذا الإرث لم ينطفئ.. فبرزوا علميا في الحوزة، ووطنيا على مستوى القيادة..
رغم الخسارة الكبيرة في الإنتخابات الأخيرة، التي تعرض لها تيار الحكمة وزعيمه السيد عمار الحكيم، والتي يشوبها الكثير من الشبهات، لكن هذا الأمر لم يثني الإرادة التي يمتلكها، ومكانته التي تأتي اليها الشخصيات سواء على المستوى المحلي أو العالمي، فتلقاه يستقبلهم ويبدي رأيه في تلك المسألة والأخرى بحسب رؤيته، ولا ننسى كيف آلت العملية السياسية عندما أراد بعض الساسة حرف المسار، فكانت لمسته التي أوقفت ذلك، بأفكار أخذ صداها عالميا وإنتهت تلك المشكلة .
الزيارات المتكررة دأبه الدائم، ومن غير عمليات تزويق أو مسألة إنتخابات أو غيرها مما يعمله البعض للكسب الإعلامي، والزيارة الأخيرة التي بدأت من النجف الأشرف، بزيارة الشيوخ لديارهم وطرح مشكلة الإنسداد السياسي الحاصل في الساحة العراقية، وكيف آلت اليه التناكفات السياسية، وشرح أبعادها وطرق الحلول التي يحتفظ بها، ولو أرادتها الكتل التي تريد تشكيل الحكومة فلن يبخل الرجل بها، في سبيل الخروج لبر الأمان، وهذه الزيارات بالطبع لها الاثر البالغ في نفوس من إستضافوه، ناهيك عن المكانة التي يتمتع بها كونه رئيس كتلة .
السيّد السيستاني المرجع الذي تأتي اليه الوفود من كل حدب وصوب، يبقى صمام أمان العراق مهما تطاول المتطاولون، والذي ذكره عنه من زاره شيء يفوق الوصف، لبساطة العيش، ويكتفي بأقل ما يمكن بسد الرمق، وهو الذي تأتيه الأموال من كل بلاد العالم، وبإستطاعته العيش كالملوك، لكن قلبه مع الأيتام والمتعففين، ومن لا يمتلكون قوت يومهم، ناهيك عن المستشفيات والمراكز الصحية و”مؤسسة العين” التي أمر بإنشائها خير دليل..
سيتغير الناس وتتبدل الوجوه، لكن المواقف تبقى ومن يريد الخير سيخلد به، ومن تاريخه ناصع سيبقى كالمرجعية ويذهب الطغاة الى مزابل التاريخ .