ونواصل بيان المرجعية بذكر النقطتين الثانية والثالثة التي سأعلق على ما جاء فيهما بين مضلعين [هكذا] في هذه الحلقة الرابعة والأخيرة.
- إن المشاركة في هذه الانتخابات حق [وليس واجبا] لكل مواطن تتوفر فيه الشروط القانونية، وليس هناك ما يُلزمه بممارسة هذا الحق إلا ما يقتنع هو به من مقتضيات المصلحة العليا لشعبه وبلده [وهذا تطور في موقف المرجعية من مسؤولية الفرد عما يتخذه من قرار بكامل حريته، عملا بالمبدأ الوارد في المادة (42) من الدستور، والتي تنص: «لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة»]، نعم ينبغي أن يلتفت إلى أن تخليه عن ممارسة حقه الانتخابي يمنح فرصة إضافية للآخرين في فوز منتخبيهم بالمقاعد البرلمانية [وهذا ما ذكرته في مقالتي قبل الانتخابات «هل نقاطع؟ هل ننتخب؟» ومقالتي السابقة بعد الانتخابات «الانتخابات والمقاطعون»، حيث اعتبرت إن المقاطعة قد تعطي فرصا أكبر لمجيء الأسوأ، وإن كانت تمثل خيارا من حق المواطن أن يختاره] وقد يكونون بعيدين جداً عن تطلعاته لأهله ووطنه، ولكن في النهاية يبقى قرار المشاركة أو عدمها متروكاً له وحده [موقف حكيم ومنسجم مع مبادئ الديمقراطية بكل تأكيد]، وهو مسؤول عنه على كل تقدير، فينبغي أن يتخذه عن وعي تام وحرصٍ بالغٍ على مصالح البلد ومستقبل أبنائه.
- إن المرجعية الدينية العليا تؤكد وقوفها على مسافة واحدة من جميع المرشحين ومن كافة القوائم الانتخابية [وهذا لون من ألوان عدم إقحام الدين في السياسة بإصدار فتاوى دينسياسية (دينية-سياسية)، وهذا هو ما ندعو إليه من دولة علمانية، يكون الدين فيها شأنا شخصيا مكفولة حريته من الدولة، لكن له ميدانه الذي لا يتداخل مع ميادين السياسة وشؤون الدولة والشأن العام]، بمعنى أنها لا تساند أيّ شخص أو جهة أو قائمة على الإطلاق [مهما ادعى التدين والولاء لأهل البيت وللمرجعية]، فالأمر كله متروك لقناعة الناخبين وما تستقر عليه آراؤهم بعد الفحص والتمحيص، ومن الضروري عدم السماح لأي شخص أو جهة باستغلال عنوان المرجعية الدينية أو أيّ عنوان آخر يحظى بمكانة خاصة في نفوس العراقيين للحصول على مكاسب انتخابية [وهذا تنبيه واضح، وإدانة لكل من استغل عنوان المرجعية وزايد بها منذ انتخابات الجمعية الوطنية مطلع 2005 وعبر الانتخابات الأربع حتى هذه الأخيرة]، فالعبرة كل العبرة بالكفاءة والنزاهة [وهاذان هما الشرطان الأساسيان]، والالتزام بالقيم والمبادئ [طرحت تساؤلاتي عن المقصود بالقيم والمبادئ، فياليتها قالت القيم الإنسانية والمبادئ الوطنية، كي لا يؤولها البعض إلى قيم الدين ومبادئ المذهب]، والابتعاد عن الأجندات الأجنبية [بما فيها وعلى رأسها الإيرانية]، واحترام سلطة القانون، والاستعداد للتضحية في سبيل إنقاذ الوطن وخدمة المواطنين، والقدرة على تنفيذ برنامج واقعي لحلّ الأزمات والمشاكل المتفاقمة منذ سنوات طوال. والطريق إلى التأكد من ذلك هو الاطلاع على المسيرة العملية للمرشحين ورؤساء قوائمهم ـ ولا سيما من كان منهم في مواقع المسؤولية في الدورات السابقة ـ لتفادي الوقوع في شِباك المخادعين من الفاشلين والفاسدين، من المجرَّبين أو غيرهم. [ودقيقة هذه الإشارة التي أشرتُ إليها في مقالة لي قبل الانتخابات بعنوان «هل ننتخب الجيد من قائمة سيئة؟»، إذ لا يكفي النظر إلى شخص المرشح، بل لا بد من النظر إلى قائمته ورئيس قائمته.]
إنصافا يجب أن نقول إن هذا البيان هو أفضل ما صدر عن المرجعية حتى الآن. ولكن الذي أتطلع إليه أن تقول المرجعية خاصة للمتدينين من الشيعة وأكثر خصوصية لمقلديها، أن ليس هناك فتوى سياسية ملزمة شرعا، يعتبر مخالفها مرتكبا لإثم، بل الرأي السياسي للمرجع، هو بعنوان النصيحة، ولا يختلف عن أي ناصح ذي خبرة ونوايا حسنة لصالح الشعب والوطن، سواء كان رجل دين أو سياسيا أو مفكرا أو خبيرا بشؤون الدولة والسياسة والاجتماع، مسلما أو مسيحيا أو إيزيديا أو مندائيا أو ملحدا أو لاأدريا أو مؤمنا لادينيا، إذا كان موضع ثقة لمن يعمل بنصيحته، وهذا ما كنت أروج له عام 2003 وعام 2004 في مقالات لي رغم أني كنت إسلاميا، واستندت في ذلك حينذاك على أدلة شرعية كمتشرع ذي ثقافة حوزوية، فاعتُبِرتُ مناوئا للمرجعية، واليوم بعد خمسة عشر عاما تقترب المرجعية من هذه المفاهيم، كما إن المنتظر من المرجعية أن تعترف بما تتحمل مسؤوليته في سنوات ما بعد سقوط الديكتاتورية، مما فهم منه تزكية منها للسياسيين الشيعسلامويين، ظانة بحسن نية منها آنذاك أن تدينهم وولاءهم لأهل البيت يعدان عاملي تزكية وتوثيق، فتبين لها غير ذلك، وهذا الإقرار لا يعد أبدا منقصة من مقام المرجعية، بل بالعكس سيرفع من شأنها، وسيسجل لها التاريخ ذلك بحروف من نور. فهل ستفعل في قابل الأيام أو قابل السنين، وتحتاط لما بعدها، كي لا يأتي مرجع لا يتمتع بالوعي السياسي والاجتماعي ولا بالاعتدال الديني والمذهبي، فيفسد من حيث يريد أن يصلح.
27/05/2018