“العلماء غرباء لكثرة الجهال بينهم” منسوبٌ للإمام محمد الجواد, عليه وآله الصلاة والسلام.
لَيسَ الغريبُ من يسكًن بلداً غير بلده, بل الغربة أن يَعيش عالمٌ, في وسط, من الجهلة, لا يقدرون علمه, ويدعونه لنجدتهم عند المُلِمات, محاولين فرض ما يرونه من حيث هم, لا من حيث ما يعمله!
حَبى الخالقُ جَلَّ شأنه العراق بعلماء أفذاذ؛ لم يتركوا صغيرة أو كبيرة, إلا وضعوا لها حدوداً, وما من أزمة تمر بالبلاد, لم يضعوا بصمتهم لحلحلتها, ووضع الحلول الناجعة, التي لو امتثل لها الحكام والشعب, لكان العراق دولة مثالية, لا يدخلها الباطل بكل صفاته وألوانه.
مَّرَ العراق ولازال, بأزماتٍ وأحداثٍ عظام, وقَفَ أمامها الحُكامُ حائرين, ولم يجدوا غير باب العلماء ليطرقوه, ليس لحبهم واحترامهم للعلم والعلماء, بل للحفاظ على مصالحهم, ليَصِل السَخْط الجماهيري أعلى درجاته, تحت ضغط شظف العيش, وفقدان الخدمات بكل ما تحويه كلمة الفقدان, ليشعر أن لا وطن له.
تراكماتٌ كثيرة لأكثر من عقدٍ ونصف, كافية لأن يقوم أي طرف شيطاني, باستغلال شعب منهك وينفذ ما يريد, فالأرضية خصبة واسعة, والجهل بمخططات الأعداء المتربصين, تجعل زراعة الفتنة سهلة النمو, تم تأهيل مجاميع لا ذمة لهم ولا ضمير, للسيطرة على الشارع العراقي, لتنطلق الشرارة قرب مكتب رئيس مجلس الوزراء؛ خريجين وحملة شهاداتٍ عليا, تعرضوا للتهميش فلا حكومة تقدر العلماء, حيث المحاصصة ورشوة التعيين والمحسوبية, هي السائدة في كافة الوزارات.
تحولٌ خطير فوقفات المطالبات لم تؤتي أكلها, فانطلقت حملة تحت عنوان( نازل آخذ حقي), ليرتفع شعار نُريد وطن, ولعدم أخذ الإجراءات, التي تَحِد من التفاقم, لوهن أصاب الحكومة, تصاعدت الشعارات بسرعة, لتصحوا الأجهزة الحكومية, المكونة من ساسة متهمين بالفساد, أمام زوبعة بشرية, لا يمكن تفكيها.
أصدرت المرجعية الدينية العليا, فنتوى التأييد للمطالب الشعبية, بشرط سلمية الاحتجاجات, وعدم التجاوز على المصالح العامة, فلم تنفع تلك الوصايا, لركاكة الساسة في اتخاذ قرارٍ سريع, ودخول مندسين على طرفي الصراع, أغلبهم يجهل المخطط الكبير, وقسم منهم لا يعبأ بما تقول المرجعية, بالرغم من اعترافهم, أنها من حافظت على العراق من السقوط.
تجاهلٌ وجهل وخلطٌ للأوراق, دون قيادة معلومة, تتصاعد المطالب لتصل إلى إسقاط النظام, مروراً بتغيير الدستور وقانون الانتخابات, يشبه آليات ما أطلق عليه( الربيع العربي), ليتم تعطيل الدراسة, وإغلاق بعض الدوائر العامة, وإغلاقِ للطرق والجسور, وبالرغم من الدماء الزكية التي تسيل, والأرواح التي تُزهق كل يوم, يزدادُ الوضع سوءاً.
إستقالة رئيس مجلس الوزراء المكلف, وتغيير قانون الانتخابات, لم يشفي غليل المحتجين, فالساسة منهم من يعمل, للحفاظ على مصالحه وامتيازاته, ومنهم من يتخذ جانب الإجراءات القانونية, التي تتصف ببطء منقطع النظير, فلا ردة فعل مضادة للمخطط الكبير, لتُظهر أمريكا أنيابها, مستهدفة قطعات الحشد الشعبي غرب العراق.
فهل سنرى تصعيداً لحرب المحاور, التي تم التأهيل لها, بين أمريكا وجمهورية إيران الإسلامية, ساحتها أرض العراق, التي أضحت قابلة لتنفيذ, ما يريده الكيان الصهيوني, تحت صمتٍ عربي مطبق؟
” بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا” حديث نبوي شريف, فهل قربنا من موعد عودة الإسلام؟