23 ديسمبر، 2024 6:31 ص

المرجعية الانسانية والتحديات الوطنية

المرجعية الانسانية والتحديات الوطنية

الانسانية ليست شعار او كلمات ممكن ان تنطبق على كل من ينطق بها، وانما الانسانية شعور وسلوك ناتج عن تراكمات سلوكية تعبر عن النهج الانساني، فهي مجموع فلسفي، يتضح من خلال الخطوات التي يتم الالتجاء اليها حينما تكون الاوطان والمقدسات مهددة، الانسانية تتضح حينما يكون الناطق بها على شفا حفرة من الضياع، لانها ستكون حقيقية ونابعة من صميم المشروع الذي يحمله المتحدث، الامر الذي يدعوا الى تتبع السلوك في الأزمات لا في مراحل الهدوء والسكينة .
العراق منذ سنوات عديدة وهو يمر بأزمات داخلية وخارجية، كانت كل واحدة منها تكاد تودي بهذا الوطن العظيم، والمرجعية الدينية بفعل مكانتها المعنوية المقدسة، تتصدى لتهدأ وتخفف وتزيل كل التوترات بما يلائم مصلحة الوطن وعدم الجور على اي طرف او مكون من مكوناته، لنرى مواقف عميقة تدل على البعد الانساني الأصيل في نظرتها وسلوكها، الذي جسدته في الكثير من المواقف منها :
• الاقتتال الطائفي بين المكونات العراقية بين عامي ( ٢٠٠٦ ، ٢٠٠٧ )، وما تلا ذلك من تفجير لقبة الإمامين العسكريين (ع)، والمكانة المقدسة لهذا المرقد الشريف لدى المكون الاكبر، ولكنها كانت بخطابها الانساني تتعامل بأنسانية مع الجميع، وكأنها تمثل الانسانية لا الشيعة، لتنزع فتيل الازمة المشتعل، بصعقة انسانية عظيمة لتعيد نبض الانسانية بداخل الوطن .
• ضياع ثلث العراق وسقوطه تحت السيطرة الإرهابية نهاية عام ٢٠١٤، وتهديد المنطقة بكاملها التي كانت قاب قوسين او أدنى من السقوط، الا ان فتواه الكبيرة والشهيرة التي اعادت المبادرة الى العراق بعدما خسرها بفعل الانهيارات العسكرية الكبيرة، رغم كل الظروف الخطيرة المحيطة بالواقع العراقي وكذلك البعد الشيعي للمرجعية الدينية، الا انها خاطبت العراقيين جميعاً بفتواها بجميع مكوناتها واختلافاتهم، لكي تجعل من الاٍرهاب جسداً دخيلاً على المكونات العراقية، وتمنع عودة الحرب الأهلية التي ارتفعت أصوات طبولها من قبل البعض .
• استفتاء اقليم كوردستان الداعي لاستقلال الاقليم، وانفصاله عن العراق بشكل نهائي، وتمزيق وحدة الوطن الواحد، الذي تعايشت مكوناته مع بعض كل هذا السنين الطويلة، لتؤكد على وحدة الوطن العراقي وعدم السماح بتقسيمه، وان الإخوة الكورد شركاء في الوطن ولهم مثل الذي عليهم، ودعت مجلس النواب العراقي وحكومته الى مراعاة المحافظة على الحقوق الدستورية للإخوة الكورد كمواطنين عراقيين، وان لا يتم محاسبتهم او التضييق على معيشتهم، وانما يجب ان تكون الإجراءات السياسية والقانونية مع حكومة الاقليم لا شعبها .
جسدت لنا المرجعية الدينية أسمى وأعمق السلوكيات والخطابات الانسانية، وسط الأزمات التي لولاها لفتكت بهذا الشعب، لنكون امام خطاب وسلوك انساني يندر وجوده في الأزمات والحروب، التي يتفاعل معها الجميع بعاطفية وعنصرية لبني عصبتهم او دينهم او قوميتهم، المرجعية الدينية كانت مدافع ومراعي لكل الأقليات والطوائف والمكونات، بغض النظر عن ميولهم ومتبنياتهم وموقفهم من المرجعية نفسها، لترسم لنا خارطة وطن مسورة بالمحبة والسلام والتعايش رغم قلة من يريد ذلك .