23 ديسمبر، 2024 1:58 م

المرجعيات الدينية وسط حرائق المالكي

المرجعيات الدينية وسط حرائق المالكي

اعتاد المالكي اشعال الحرائق ، كما اعتاد الاخرون اخمادها ، ولكل منهم اسبابه . رغم تعدد الازمات الا انها كانت تخضع لفلسفة واحدة : يفتعل المالكي ازمة عنيفة ومصيرية تجعل الاخرين ، امام تهديدها ، يقبلون بالحلول التي يريدها المالكي ذاته . تكررت هذه اللعبة مع خصومه السياسيين ، ومؤسسات الدولة ، مرورا بالجيش والشعب فالمرجعيات الدينية .
أخيرا ، تسبب المالكي في خضوع اجزاء واسعة من العراق لسيطرة داعش . لامصلحة لأي طرف اقليمي او مكون وطني او قوة دولية فيما حصل ، فداعش تنظيم ارهابي يتبنى عقيدة اقامة عالم جديد يتهدد النظام الدولي في كل مكان ، ويبقى المالكي هو المتهم الاكبر ويكاد يكون الوحيد فيما جرى .
جعل المالكي شيعة العراق بعد وصول داعش الى مشارف بغداد امام تهديد مصيري حقيقي ، فالتنظيم الارهابي المجرم لايكف عن وعيده في الانتقام الطائفي ، وهو مادفع المرجعيات الشيعية الى مواجهة  امتحان عسير ، فمرجعية النجف لاتريد ان تلعب دور الولي الفقيه وتركت للسياسيين ، خلال السنوات الماضية ، مساحة واسعة من الحرية في ادارة السياسة والدولة  ، الا ان انهيار المالكي ومؤسسته العسكرية والامنية كان يتطلب تدخلا بناء في حماية الارواح والممتلكات وردع التهديد ، وهو ماجاء كتحصيل حاصل متوافقا مع الحل الذي يريده المالكي لتدارك الموقف المأزوم .
موقف المرجعية في الدعوة الى مواجهة الارهاب وحماية ارواح الابرياء المهددين لم يكن يخلو من الاحراج ، فهو يبدو من جهة انتصارا للمالكي المهزوم والذي تعرض للنقد والاتهام بالفشل من قبل المرجعية خلال السنوات الاخيرة ، كما بدى طائفيا لجهة ان ماحصل كان متضمنا لإنتفاضة شعبية ضد الظلم والاقصاء الذي مارسه المالكي ازاء  المكون السني من جهة اخرى .
في الازمات لايمكن النظر الى الامور من زاوية واحدة لتقييم صحة والاثار المترتبة على دعوة المرجعية لتطوع المدنيين ، لكن المالكي نجح ، سواء خطط لذلك ام لا ، في اضعاف اشرس خصومه المحتملين ، المرجعية ، فقد افلح في ايجاد شريك جديد يتقاسم معه الفشلين السياسي والامني في المستقبل بل قد يحمل الشريك الجديد كل الفشل كما فعل مع كل شركائه السياسيين .
وجوه الفشل تبدو متحققة من الان ، ولعدة اسباب :
1 – ان فشل المؤسسة العسكرية والامنية ، مع تدريب عناصرها وتسليحها وتجهيزها وعديدها ، في الصمود امام مجموعة صغيرة من تنظيم مسلح يجعل تكرار ذلك  مع المتطوعين  المدنيين غير المدربين عسكريا امرا اكثر احتمالا ، مع ان زج المتطوعين قد يكون غطاء لزج ميليشيات مدربة ومعروفة بإجرامها .
2 – ان الخسائر المترتبة على مثل هذه المواجهة وخاصة في الارواح ستكون كبيرة ، وارتداداتها على الراي العام ساخطة ومنذرة بالتفجر ضد المؤسستين الرسمية والدينية .
3 – ان عدم القدرة على استيعاب الاعداد الكبيرة من المتطوعين ، واغلبهم من الشباب المحبط والعاطل عن العمل ، والذين أملّوا في هذا الامر فرصة للإرتزاق سيتسبب في حنقهم وتفجر غضبهم وهو مابدى واضحا من الان .
4 – ان التعامل المرتبك مع هذه الحالة والمتمثل بمظاهر الانهيار والحرب والعسكرة القى بظلاله على السوق والقطاعات الاقتصادية حيث تصاعد الاسعار والغلاء وتراجع الثقة ، وسيكون ذلك واحدا من اهم الاسباب لتنامي النقمة على سياسات المالكي ودعم المرجعيات .
5 – ولادة مؤسسة جديدة كرديف للمؤسسة العسكرية يخلق المزيد من الاستقطابات والصراع على النفوذ وزيادة بؤر التوتر بين المؤسسة الدينية والمؤسسات الرسمية الاخرى .
هذه القراءة ، التي ترى ان البلد حتى بخروجه من الازمة الحالية فانما يتجه الى ازمة اخرى ، لاتقوم على التكهن فهي تسترشد بتجارب سابقة في اوضاع عالمية مماثلة ، وقد تكون الظروف التي مر بها العراق خلال الحشد الشعبي فيما عرف بقادسية صدام ضد ايران او غزو الكويت هي الاقرب الى الواقع الحالي  ، وتسببت  في النهاية بإجماع دولي واقليمي ومحلي لإسقاط النظام القائم.