18 ديسمبر، 2024 4:45 م

وكنت إذا ماجئت جئت بعلة
فأفنيت علاتي فكيف أقول
​(يزيد بن الطثرية)
أظن الحديث -بعد عشرين عاما من الإخفاق الموثق والتقصير المثبت صوتا وصورة- عن البناء والإعمار في العراق الجديد، بات حديثا أقرب الى المزحة السمجة منه الى النقاش الهادف والجاد، إذ كان حريا بالحكومات التي أمسكت زمام الأمور فيها، أن تخرج بمحصلة تؤهلها لجعل البلاد جنينة من جنان الله في الأرض، لاسيما وأن أرض البلاد مكنوزة بثروات وخيرات على سطحها وفي باطنها، بما لاتحصره أرقام ونسب مئوية ورسوم بيانية.
وكما يقول مثلنا: (حدّك ويه الچذاب لباب حوشه) فإن علات التلكؤ والتعويق بطلت وانقضت، فذريعة الاحتلال وشماعة تنظيم داعش فضلا عن تركة حكم البعث، كلها أضحت طي النسيان، وبذا يكون الدرب سالكا أمام السياسيين ليطبقوا برامجهم في بناء البلد وإعمار ما تهدم فيه، فهل هذا ماسيفعلونه؟ أم هناك ذرائع أخرى ومسوغات ستستحدث بكبسة زر (Update) يتصدرون بها دفوعاتهم عن تقصيرهم المتعمد إزاء تنفيذ واجباتهم!.
إن من المفترض أن يكون هناك بناء مدني وإداري متميز، أداءً وسرعة وكما ونوعا يشمل محافظات العراق جميعها، لكن كما يقول مثلنا أيضا: (الكتاب يبين من عنوانه) إذ أن البطء والتلكؤ الذي اعترى عمليات البناء والإعمار سابقا، سيكون السمة الواضحة للقادم من العمليات، إذ ما فتئ السير في الإعمار والبناء سلحفاتيا، ومازلنا نعاني من الكبوات والإخفاقات في مؤسسات الدولة التنفيذية، والأدلة على هذا كثيرة وبمتناول أي فرد منا، إذ بمجرد سماع نشرة الأخبار المحلية، يتضح جليا أن مفاصل البلد تشكو الانجماد في الإنجازات على صعيد البناء، وهو مايراه المواطن بأم عينه على أرض الواقع، فيما يستمع أحيانا الى تصريحات مغايرة تماما، تعكس صورة رائعة يتمنى ان تكون صادقة يوما ما في بلده.
فلو استمعنا الى تصريحات الوزراء والمسؤولين في مؤسسات الدولة التنفيذية التي تحتك بشكل مباشر مع المواطن، في توفير الخدمات والبنى التحتية والأمان وباقي حقوقه، لوجدنا انها مجموعة كلمات وجمل تتكرر في لقاءات واستضافات، تتخللها وعود وارقام هي نفسها قيلت قبل أشهر في الفضائية (س) وبعد أشهر في قناة (ص) ثم أدلى بها المسؤول ذاته في اجتماع أو مؤتمر لأحد المجالس، او في لقاء مع رؤساء عشائر أو قبائل في محافظة جنوبية تارة، وتارة شمالية وشرقية وغربية. وكلها COPY PASTE الأمر الذي عزز ملكة العراقي في استقراء احداث المستقبل، لاسيما أن أغلب الأحداث لا تسره، كما أن المتسببين فيها يجترون الأسباب ذاتها، لتقيأوها دون ضجر أو ملل من جديد، ما يذكرني بابيات قصيدة للشاعر خلدون جاويد منها قوله:
في كل يوم فتنـة ودسيسـة
حرب يفجرهـا زعيم قاتل
هذا العراق سفينة مسروقة
حاقت براكـين بها وزلازل
هو منذ تموز المشاعل ظلمة
سوداء ليل دامس متواصل
أما قتيـل شـعبنا او هـارب
متشرد او ارمـل او ثاكـل
فهنا عميـل ضالـع متـآمر
وهناك وغد حاقد متحامل
أوليس هذا عين ماحدث ومازال يحدث طيلة عقدين مضت؟ ومن يعلم ما المخفي في قادم الأيام؟ إذ ما إن نهضنا من كبوة مسؤول أخل بواجباته، إلا كبونا في محنة مسؤول او قائد آخر أرجع خطى البناء التي سار بها البلد الى المربع الاول كما يحلو لهم تسميته. فالأمل كل الامل ان لايكون ثمة مربع أدنى ليقذفوا بنا فيه، فبالمربع الأول دوما يهددون ويذكّرون ويتوعدون ويشمتون.
[email protected]