ان اللقاءات التی تجریها الکتل والکیانات والاحزاب واستمرار لعبتها الاعلامیة التضلیلیة وتنبثق عنها بین حین واخر ائتلافات لا اساس لها من الصحة من اجل انعقاد مجلس النواب وتشکیل وادارة الحکومة القادمة التی تنتظرها الجماهیر بفارغ الصبر بعد الانتخابات ومن الغیر المتوقع ان تتضح معالمها بهذا الشکل السریع وللشکوک حول ثباتها وشبهات التلاعب والتزویرعنها ، فی ضوء الانقسامات فی الكيانات والتحالفات والاحزاب الموجودة فیها وعدم التوافق بین تلک المجموعات لمخرجاتها وعلينا أن نجزم أن هذه الفئات في الوقت الحاضر بعيدة كل البعد عن تشكيل وعي سياسي للمواطن ، والحال، فإنّ الأيّام المقبلة ستثبت مدى قدرة الاجتماع، الذي دعا إليه الدکتور حیدرالعبادي فی الاسبوع القادم للکیانات والکتل و”الذی یمثل المربط والمعلف قبل الحصان مادامت نتائج الانتخابات غیر واضحة لحد الان ” على تجاوز الخلافات ومناقشة مستقبل البلاد بمعزل عن مشروع الکتلة الاکبر ولعله فیها الفائدة الحقيقيّة التي قد یخرج منها اتفاق بین القادة على تجنيب البلاد مرحلة الفراغ الدستوريّ، وعقد الجلسات الأولى للبرلمان الجديد مطلع الشهر المقبل لینتج عنه تشكيل حكومة أغلبية سياسية بعيدة عن التخندق الطائفي والفئوي والحزبي تضم الأطراف الراغبة في المشاركة في حكومة أغلبية يكون هدفها نقل البلاد إلى مرحلة جديدة من التلاحم ووضوح البرنامج والمسئولية .المهم ان بعد سنوات من الحكم الشمولي الفردي فی العراق الذی کان قائم على منهجية الحزب الواحد وسيطرته على مؤسسات الدولة كافة لمدة تزيد على خمسة وثلاثین عاماً فلاشک ان التجربة البرلمانیة العراقیة بعد عام 2003 حیث زمن تغییر النظام تعد من أحدى أهم التجارب الديمقراطية في المنطقة والدستور الدائم فیه وهو نموذج قل نظیره فی العالم الثالث رغم الثغرات الموجودة فیه والقراءات المختلفة .
في تجربة المشهدالسیاسي العراقي الجديدة هناك جملة من التغييرات التي طرأت على المشهد السياسي، وهذه المتخیرات كانت في أغلبها خارج حدود فهم المواطن. رغم اعتقادنا الکامل ایضا من أن التكافؤ في مثل هذا المجلس لا يمكنه أن تضع حدوداً سياسية واضحة لبرنامج أمده شهر واحد ناهيك عن أربع سنوات مقبلة من عمره اذا لم یغیر اطره الی واقع برلمانی صحیح ، ولو نظرنا إلى تفرد تجربة العراق، في محيطه العربي والإسلامي، سنجد أن هذه التجربة لا يمكن لأي مواطن عراقي أن يتصدى لها بفهم مرحلي تزامني، فضلاً عن الفهم البعيد. فمن الناحية التاريخية نجد أن التجربة البرلمانية بالذات هي تجربة جديدة على مدارك المواطن . وعلى الرغم من أن هذه التجربة لم تأت أو تولد نتيجة ظروف تأريخية متراكمة عبر مراحل زمنية كما هو الحال في التجارب البرلمانية الأخرى، إلا أنها أستطاعت في ظل الظروف والتحديات الكبيرة التي شهدها العراق من أن تتحول إلى تجربة برلمانية ديمقراطية وليدة وتمثل تحولاً ديمقراطياً سيأخذ مداه الزمني لكي يتبلور إلى تجربة مؤثرة وفعالة مقارنة بتجارب دول المنطقة.
ولا شك فأن عملية تطوير التجربة البرلمانية العراقية و لمواجهة الإرث الثقيل من الخراب البيئي والنفسي والجسدي والعقلي الذي تعرض له الإنسان العراقي تتطلب: العمل على إرساء قواعد العمل الديمقراطي في التعددية السياسية والحزبية، والتمسك بالقيم والمبادئ الديمقراطية، والتركيز على مبدأ الفصل بين السلطات، ومبدأ التداول السلمي للسلطة من خلال تطوير وتحديث التشريعات الوطنية، ومراجعة الإطار القانوني والتشريعي والسياسي للعملية السياسية والديمقراطية برمتها .ووضع الاسسس للحکومة التی تنبثق منها کی يمكن لها قيادة الدولة ومواجهة الضغوطات الهائلة داخليا وإقليميا ودوليا و كيف يمكن محاربة الفساد والمفسدين وتعديل الدستور وإصلاح مؤسسات الدولة وكيف يمكن بناء الاقتصاد المنهوش وتقديم الخدمات لشعب يئن تحت سطوته ومخلفات ماض قريب بغيض بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى وقبح؟ و إعادة بناء الدولة في ظل صراع الإرادات وكيف يمكن ضمان أمن الناس وتخليص البلاد من الإرهاب الذی لازال یمثل خطرا اساسیا وكيف يستطيع العراق مواجهة التحديات الإقليمية واهمها شحة المیاه التی اخذ یعانی بسببها ومنافذه البحرية ومحاصرته من كل صوب وحدب طالما بقي السياسيون يتقاتلون على الكراسي بدل الاهتمام بمثل هذه الامور المصیریة؟ ومتى تنفذ سياسة وضع الكفاءات الكبيرة المتخصصة التي بدونها لا يمكن التعجيل بإعادة تعمير البلاد ونهوضه فی جمیع المجالات بدونهم ؟