عبر أي تحول لابد من وجود تحول ما في الأنماط السلوكية ،وتقود هذه الأنماط إلى فهم أعمق لطبيعة الإنسان والتغيير في متطلبات حاجاته ومنها أن الإنسان لم يعد مذهولا أمام العالم لا لأنه قد إكتشف ما في العالم من الألغاز ، بل لأنه إمتلك القدرة على وعي العالم وأستعداده لقبول أي من الظواهر التي تُكتشف في الطبيعة والتي تمده بالموجودات للتقرب أكثر فأكثر من الحقائق المخبوءة ولاشك أن وعي الإنسان بذاته وإيمانه بأن هذه الذات هي عدسة إلتقاط العالم وهي التي تهب الرؤيا الحقيقية لحقيقة الأشياء بدلا من
العالم المجرد الذي كان يعاكس الصورة مع الذات الإنسانية ،
لقد رأى هيجل (أن كل حقيقة واقعية إنما هي الذات ) مادام الإنتقال قد مر من الحسي إلى الإدراك الحسي ثم إلى مرحلة الفهم التي خلقت صراعاتها واضطراباتها ليتولد الوعي الخاص باللامرئي مع حساب الواقع المرئي وفق حاجات النفس التي تسعى للتقابل مع أي من الحاجات أو السيطرة عليها ،
يقرر هيجل ضمن وصفنا هذا في (يقين العقل وحقيقته ) أن المثالية هي التعبير عن السلوك الجديد للنظرة الى العالم وهو لم يجرد هذه المثالية من نسقها التاريخي وقد إختلف هيجل بهذا التصور عن العديد من الفلاسفة لأن هيجل قدم مفهوم المثالية على أساس مخاضات الوعي أولا والتي قامت المراحل التاريخية بتهيئة (الفرصة الروحية ) كي يُرتب العقل إستكمال تحولاته عبر الوجود الحضاري الطويل للبشرية ،
يعود هيجل ويشير إلى مرحلة هامة من مرحلة الإدراك العقلي وهي تحول العقل عبر مراحله الثلاث (الوصف – التصنيف – التحليل ) ولكون هذه المراحل الثلاث خطوات مهمة من خطوات الوصول إلى المعرفة فأن هيجل يرى بالوصف بأنه معاينة ما ، لما في الطبيعة ،
لما في الفكرة دون الولوج إلى العوالم الخفية أي أن هذا الأسلوب الفكري غير قادر على إيجاد الديمومة الملائمة لإكتشاف حالة ما ولن يستطع الوصول إلى حركة الأشياء ومعرفة قدراتها التحولية فهو يكتفي بالمعاينة المجردة ولا ينحو العقل فيه إلى المعاينة الدقيقة والصائبة لإقامة العلاقات الضرورية والتي من شأنها أن تفتح مسارات معرفية جديدة للعقل ، وأما في مرحلة التصنيف فالمراد هنا ليس التصنيف العددي أو إعادة الوصف بشكل أخر لمكونات الطبيعة أو النظر بهامشية لصيروتها لأن ذلك يحول التصنيف إلى شكل من أشكال الوصف فهو يعني إقامة أنساق من العلاقات الشاملة مابين الأشياء أي تحريكها من أجل الوصول إلى خلق قوانين هدفها التعبير عن العلاقات التي وصفها هيجل بالجوهرية وضمن ذلك فأن القانون لم يعد علاقة رياضية بين ظاهرتين ،
في كل ذلك يربط هيجل مفهوم الفكرة والتي يسميها بالتصور بأنها غير خالية من لحظاتها والتي تبلغ الفكرة ذروتها في تأزم تلك اللحظات وهذه اللحظات بمفهومنا هي لحظات غير طاردة لمشاهد الماضي والجديد منها غير مقتبس مما قبله ولكن الضرورة في
كل ذلك أن يتم تجاوز اللحظة السابقة لأجل يُعَرِفه هيجل بأنه بلوغ مستوى الضرورة العميقة ،،