في كل الأماكن والأزمان يمتلك الكذابون والمراؤون من الألاعيب ما يذهل إبليس ويدهشه، والأمثلة على هذا كثيرة يعج بها التأريخ القديم والحاضر على حد سواء. وهم بطبيعتهم يمتلكون من القدرات والإمكانيات ما يجمل الأكاذيب ويجعلها مسموعة ومصدقة، بل ومرغوبة ولها مؤيدوها، وعلى حد قول مثلنا؛ (الچذب المصفط أحسن من الصدگ المخربط) ذلك أن الأكذوبة عادة ماتتجمل بوجه ذي بهرج فتان، بعد أن تُزوق وتُزورق بأفانين الكلام والأفعال، وهذا مايفعله ساستنا في وقتنا الحاضر، وهم لم يأتوا بهذا الطبع من الفراغ، فهم اما توارثوه عمن سبقهم في مناصبهم، او اكتسبوه ممن عاشروهم او تعايشوا معهم، وهذا ما أشار اليه المثل؛ (من عاشر القوم أربعين يوما صار منهم). ويذكر لنا التاريخ روايات عديدة عن الرياء والمرائين والكذب والكذابين والزيف المزيفين، منها على سبيل المثال لاالحصر، حدث من أحداث يوم الطف الذي نعيش ذكراه المؤلمة كل الأيام ولاسيما الأيام الحالية، تقول الرواية:
“بكى عمر بن سعد على الحسين في كربلاء وسالت دموعه على لحيته عندما رآى الحسين يجود بنفسه والدماء تنزف من جسده، وفي نفس الوقت أمر اصحابه بقتله وقال لهم: انزلوا اليه وأريحوه”.
أقول؛ أليس منا -ونحن في القرن الواحد والعشرين- من يتصرف بتصرف عمر بن سعد ذاته، وبالازدواجية عينها في حياته؟ لا أظن الإجابة عسيرة، إذ أن خير مثال على هذا تصريحات أغلب ساستنا حول مشاكل البلد ومصائبه وتباكيهم على المواطن في حين أنهم أول المتسببين في وقوعها جملة وتفصيلا. والأمثلة على هذا كثيرة وطويلة وعريضة وثقيلة أيضا، تبدأ بمشاكل تردي أحوال البلد الأمنية، مرورا بالمشاكل الاقتصادية والتضييق على مصادر رزق المواطن، كذلك مشاكل أخرى كثيرة فيما يخص البنى التحتية وما يمس شرائح المجتمع برمتهم، من كادحين وطلاب وعمال وعاطلين، فضلا عن مشاكل المرأة والطفل والعاجز والمتقاعد والمسن وذوي الاحتياجات الخاصة، ولاتنتهي بتأخير إقرار القوانين والتسويف بقراءة المشاريع وكثرة التأجيلات والإرجاءات فيها… والقائمة تطول الى مالايسعه مقام ولايحتويه مقال.
وفيما يذكر أيضا تحت طائلة الرياء والتصنع عن بعض العلويات انها قالت: “حين استشهد الحسين هجم العدو على خيامنا بين سلاب ونهّاب، ودخل خيمتي رجل ازرق العينين فأخذ ما في الخيمة ونظر إلى زين العابدين وهو على نطع وكان مريضاً، فجذبه من تحته ورماه إلى الأرض والتفت إلي وأخذ القناع عن رأسي وقرطين كانا في أذني، وجعل يعالجهما محاولا فكهما عن أذنَي ويبكي حتى انتزعهما، فقلت له: أتسلبني وأنت تبكي؟ فقال: ابكي لمصابكم اهل البيت”.
إن أفعال بعض ساستنا اليوم والبكاء على مايجري للعراق والعراقيين، لايختلف عن أفعال عمر بن سعد أو الرجل أزرق العينين، بدليل المواقف التي تبلغ حدا فيصلا بين مصالحهم الخاصة ومصلحة البلاد والعباد، حينها هم لايتورعون من تفضيل الخاص على العام، والـ (أنا) على الـ (نحن)، أما الدموع العبيطة التي تسيل في المآتم والطقوس والعزاءات، فهي لاتعدو كونها دموع تماسيح، وكما يقول بيت الشعر:
إذا اشتبكت دموع في خدود
تبين من بكى ممن تباكى
أليس هذا مانراه اليوم بين ظهرانينا؟
أليس كثيرا من المتباكين حولنا، ليس لهم من الصدق في بكائهم إلا ما لعمر بن سعد في بكائه على الحسين عليه السلام؟
[email protected]