لا شك أن العنوان ليس له علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالمجتمعات الأوربية والغربية فالزواج والعلاقات الأسرية وموضوع المرأة والعنوسة وعلاقتها بالرجل ومفهوم الشرف والعلاقات الجنسية وغيرها من الأمور التي تدخل ضمن هذا الأطار كلها تحمل مفهوم غير مفهومنا نحن العرب المسلمين على وجه الخصوص، والمقال يخص المرأة العراقية تحديدا وأرهاصاتها ومشاكلها.
في الموروث الشعبي والمفهوم العام في المجتمعات العربية أن الزواج ستره للمرأة، رغم أنه لا يجد نص قرأني أو حديث نبوي شريف أو قول لأحد الأئمة الأطهار أو الصحابة الأجلاء عليهم جميعا أفضل السلام يقول ذلك!، بل ورد أن الزواج هو نصف الدين، وهذا يعني بوضوح أن من أراد أكمال دينه فعليه بالزواج!، وكذلك الحديث النبوي الشريف (من أستطاع منكم الباءة فليتزوج)
وكلا النصين رمى بالكرة في ملعب الرجال والنساء على السواء! دون أخذ النظر بحالة المجتمع والظروف العامة وتبدل الأحوال، كما أنه بنفس الوقت لم يعطي البديل في حال عدم التمكن من تحقيق هذين النصين؟!.
وعليه والحالة هذه فأن أعداد كبيرة من الرجال والنساء في العراق هم ناقصي دين!! لكونهم غير متزوجين حيث وصلت نسبة العنوسة بالعراق الى رقم 70%!، حسب آخر الدراسات التي أجرتها وسائل الأعلام الغربية ومراكز البحوث العالمية، ومصطلح العنوسة هنا يعني الرجل والمرأة على السواء، فقط الفرق في التسمية حيث العنوسة للمرأة وأعزب للرجل.
وللرجوع بالذاكرة العراقية المليئة بالجراح والهموم، وبالعودة الى أيام الستينات والسبعينات من القرن الماضي عندما كان العراق نزيها جميلا طاهرا كشدة الورد وكالفسيفساء بنسيجه الأجتماعي المتماسك والقوي حيث لم يتلوث بعد بهذا الكم الهائل من الأدران والأوساخ السياسية وأنصاف المتعلمين وسياسي الصدفة ، ولم تنتشر فيه بعد الأمراض الأجتماعية المخيفة كالتي نسمع بها الآن!، لأن رجالات وقادة ذلك الزمان كانوا أصحاب مرؤة وشهامة وغيرة ووطنية والأهم كانوا من بطون شبعانة مليئة بالخير والعطاء ، كانت نسبة العنوسة في المجتمع العراقي لا تتجاوز نسبة 2أو 4 % في الأحتمال الأكبر وكذلك بالنسبة للعزاب من الرجال. لأن الحياة كانت أكثر سهولة ويسر ولن يصيب العائلة العراقية التي كان لديها 5 أو 6 بنات! أية قلق وخوف ولم تشعر بالحزن والهم! لأن نصيبهن بالزواج قادم ومحسوم ولا نقاش في ذلك!.
ومثلما يعد الفقر والجهل والمرض الثالوث المدمر لكل مجتمع، يمكن القول أن العنوسة والأرامل والمطلقات والأيتام هو أخطر رباعي يمكنه أن يهدم أكبر مجتمع!.
فما بالك والعراق بدأ يعاني من مخاطركل هذه الآفات الأجتماعية، منذ ثمانينات القرن الماضي!( بداية الحرب العراقية الأيرانية) التي حصدت أرواح قرابة مليون ونصف شاب عراقي بين شهيد ومعوق ومفقود) والذي أدى الى حدوث أختلال في التوازن الأجتماعي بين نسبة الذكور الى نسبة الأناث!، تلك الحرب اللعينة والمكروهة بكل ذكرياتها المريرة والتي كانت البداية الى خلخلة النسيج الأجتماعي العراقي وبداية حدوث الشروخ والتصدع فيه.
حيث خلفت هذه الحرب أرقام مرعبة من الأرامل والأيتام، وبنفس الوقت أنعكست أثارها الأخرى على المجتمع حيث بدأت نسبة العنوسة بالأزدياد بسبب أنعكاسات الحرب وما تركته من أثار كثيرة أدت الى عزوف الشباب عن الزواج، كما كان للطلاق نصيبه من أثار تلك الحرب على المجتمع.
وجاءت حرب الكويت لتزيد من تفاقم هذه المشكلة الأجتماعية الرهيبة والمرعبة لما سببته من خسائرمادية وبشرية وما أعقبها من حصار تركت أثار مدمرة وخطيرة وسلبية على عموم المجتمع العراقي لا زلنا نعاني منها لحد الآن!.
ويبدوا أن مصيبة المرأة والرجل والطفل بل لنقول أن مصيبة الأنسان بالعراق لم تنتهي عند هذه الحد، فجاءت الكارثة الكبرى عام 2003 عام أحتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وما خلفه ذلك الأحتلال من نتائج سياسية وأجتماعية وأقتصادية خطيرة ووخيمة لا تقارن حتى مع الدول التي خرجت خاسرة من الحرب العالمية الثانية! حيث تم تدمير العراق تدميرا كاملا ليس ببنيته التحتية والعمرانية فحسب بل بالأجهاز على ما بقي من منظومة الأنسان العراقي الفكرية والأخلاقية والاجتماعية والتربوية.
وكانت واحدة من الأثار السيئة الكثيرة التي أفرزها الأحتلال الأمريكي للعراق هو أزدياد نسبة العنوسة التي وصلت الى 70% كما أشرنا سابقا وهي تعد النسبة الأعلى بعد دولة الأمارات التي وصلت فيها نسبة العنوسة الى 75%! طبعا مع أختلاف الأسباب بين العراق ودولة الأمارات!.
ونتيجة لكل هذه الظروف التي مرت بالعراق منذ ثمانينات القرن الماضي ولحد الآن من حروب وحصار وأحتلال وحروب داخلية وفقر وجوع وبطالة وفساد مرعب قادته الطبقة الحاكمة والأحزاب السياسية التي حكمت العراق من بعد الأحتلال، والذي أدى الى هجرة مئات اللألاف من الشباب الى الخارج للبحث عن فرص للعمل ولقمة العيش، وعدم وجود أي بصيص أمل من قادم الأيام في العراق.
وافقت الكثير من النساء بالزواج رغم عدم قناعتها بالطرف الآخر!، لعدم وجود أي تجانس بينهما ، لا عمريا ولا فكريا ولا ثقافيا ولا دراسيا ولا طبقيا ولا حتى شكليا!، وسبب ذلك القبول هو بأعتبار أن الزواج ستره للمرأة وخاصة بالظروف غير الطبيعية والشاذة التي يعيشها العراق!.
وفي صورة أخرى مؤلمة من الزواج، دفعت هذه الظروف الكثير من العوائل العراقية الى تزويج بناتهم حتى وهن قاصرات لأول طارق للباب!، ويغضون النظر عن الكثير من عيوبه الخلقية وحتى الأخلاقية!.
مثل هذه الزيجات كانت لها نتائجها العكسية حيث لم تستمر طويلا فسرعان ما وقع الطلاق! بسبب من عدم التكافيء الذي أشرنا أليه سابقا والذي أدى أيضا الى الكثيرمن الأنحرافات الأخلاقية لدى النساء!.
وبقدر ما تشير سجلات القضاء الى أرقام مرعبة في أعداد المطلقات، فأنه وبنفس الوقت تشير سجلات مراكز الشرطة الى الكثير من المشاكل الأخلاقية، حيث فتحت بيوت الدعارة ومواخير الليل أبوابها على مصارعها لتحتضن الكثير الكثير من هؤلاء المطلقات والأرامل ولتكون ملاذا آمنا لهن!! بسبب الحاجة والعوز وعدم وجود المعيل والأهم عدم أكتراث الدولة والأحزاب السياسية وأهتمامها بهن وتحديدا الأحزاب الأسلامية!.
والملفت للأنتباه هو أنتشار بيوت الدعارة والبغاء وكل بيوت المتعة في المحافظات وفي بغداد تحديدا بشكل كثير، وتحت أنظار وعيون الحكومة وبحماية مليشيات مسلحة ( وهذا ما ذكره عضو مجلس النواب السابق فائق الشيخ علي أمام وسائل الأعلام والفضائيات وفي أكثر من لقاء).
وفي حقيقة الأمر أن المرأة في العراق وبسبب من أهمال الدولة باتت لا تؤمن على نفسها ومستقبلها ألا بتوفر 3 أشياء!، أما أن تكون موظفة لدى الحكومة لتؤمن لنفسها راتبا تقاعديا يقيها شر الحاجة والعوز والصراع بين رغيف الخبز والكرامة في القطاع الخاص الذي لا تحكمه أية قوانين!، وثانيا أن يكون لديها سكن (ملك) لكي تشعر بالأمان من التشرد! في يوم ما وأن لا تكون تحت رحمة المؤجر!.
وثالث خط آمان لها هو أن تكون في عصمة رجل أي أن تكون متزوجة وهناك رجل مسؤل عنها يكون أشبه بالخيمة التي تحميها ويسترها من عاديات الزمان وتقلباته! وكما في الأمثال المصرية (ظل راجل ولا ظل حيطة)!.
ولأن هذه الأمور الثلاث صعبة المنال وأن توفرت فهي لا تتوفر بشكل كامل لذا أصبحت البنت العراقية بل العائلة العراقية تعيش في حالة قلق من قادم الأيام التي بلا شك أنها لا تحمل أي بصيص للخير والأمل في ظل الأضطراب والفوضى والفساد الذي يعيشه العراق منذ 16 عام ولحد الآن.
وبعد كل ذلك نعود لنسأل، هل الزواج ستر للمرأة في العراق تحديدا وفي مثل هذه الظروف التي يعيشها العراق؟ الجواب يمكن أن يكون نعم كذلك في ظل الظروف التي عاشها العراق منذ ثمانينات القرن الماضي ولحد الآن وتحديدا في ال16 سنة الأخيرة بسبب التدمير والتفكك الذي شهدته العائلة العراقية وللتخفيف عن كاهل رب الأسرة بسبب الظروف المعيشة الصعبة والظنك الذي تعيشه الكثيرمن العوائل العراقية.
ويمكن أن لا يكون الزواج سترا للمرأة، خاصة أذا كان زواجا غير متكافئا، او تكون الزوجة قاصرة أو أن الزوج لا تتوفر فيه أية صورة أو صفة آدمية وأنسانية وبعيد عن أية مشاعرأنسانية أوعاطفية ولكن الزواج تم بسبب حاجة العائلة للمادة لا أكثر، فالزواج عند ذلك لا يكون ستر بل سيكون نقمة وسيكون بداية الطريق للضياع والفساد والوقوع في براثن الرذيلة.
يبقى موضوع الزواج موضوع أجتماعيا شائكا كما في المجتمع العراقي، فهناك من البنات من رفضت أن تتزوج ألا بمن تراه مناسبا وكفء لها يبادلها كل مشاعر الحب والأنسانية، وقبلت أن تكون عانسا في حال عدم توفر ووجود مثل هذا الرجل!؟ وهناك من النساء من قبلت الزواج لا عن قناعة بل أتقاء من كلام الناس وأرضاء لنظرة مجتمع متخلف منافق!.
وبعد أن كانت المرأة العراقية تعيش أجمل أيام عزها وتألقها في خمسينات وستينات وسبعينات القرن الماضي، تعيش الآن أصعب أيامها وأكثرها قلقا وخوفا وضياعا، ولا حول ولا قوة ألا بالله.