في الحقيقة إن مشكلة المرأة عالمية وليست خاصة بنا وإن كانت على مستويات مختلفة بين بلد وآخر ، اذ جاء في إحصاء للأمم المتحدة لعام 1999م إن في العالم عشر نساء يتولين منصب رئيس الدولة أو رئيس حكومة من أصل أكثر من مئة وثمانين دولة ، أي ان نسبة المشاركة السياسية عالمياً خمسة في المئة تقريباً . مع ملاحظة ان عددهن في العالم الاسلامي أكثر ..
السر في إعتقادي هو في منطق القوة ، فعلى مدار العصور كان الأقوى هو الذي يتحكم بالأضعف ، لكن التطور المعاصر كشف عن أهمية قوة أخرى غير القوة العضلية والمادية ، هي قوة الفكر والنفس فإذا بقيت أحوال المرأة متردية والظلم يكتنف بعض جوانب حياتها علينا أن ندرك انها ما زالت الأضعف فكرياً ونفسياً ولا بد من استنهاض همتها ودفعها الى العلم والارتقاء كي تحقق ذاتها وعندها تقود هي ظروفها .
أحد الأطفال في المرحلة الابتدائية قال المرأة أقوى من الرجل لأن الرجل يلجأ الى عضلاته عند المشاكل بينما المرأة تلجأ الى عقلها ، ونحن نعيش الأمل بأن تنمي المرأة قدراتها العقلية أكثر وأكثر .
الموضوع ذو شقين : التقاليد والتحرير ، فما هي التقاليد وما هو التحرير ؟
التقاليد : جمع تقليد والكلمة في حد ذاتها سلبية لأنها تعني السير وراء الناس دون إعمال العقل .. وفي أي مجتمع يتواضع الناس على مجموعة من المفاهيم والسلوكيات إيجابية كانت أو سلبية وربما نتج بعضها عن خبرات وتجارب مرت بها الشعوب في زمن معين وظروف معينة فعمم الناس الأمر بجعله عرفاً إجتماعياً (مثل كره قص الأظافر ليلاً) و(كنس البيت ليلاً) وعلى هذا لا بد من غربلة التقاليد لفرز ما فات أوانه بين عصر وآخر حتى لا تصبح الحياة مكبلة بأمور لا مبرر لها ، لكننا نلاحظ أن المرأة في مجتمعنا هي الأكثر تمسكاً بالتقاليد ، بل إنها تحولها الى تراث ثقافي تنقله الى الأجيال عبر تربيتها لأولادها وعلى سبيل المثال لا الحصر : التقاليد المحيطة بالزواج والوفاة وفيما يلي أسوق عينات من التقاليد التي تملأ حياة المرأة بالاغلال
1-الناس حتى الآن يفرحون أكثر بولادة الذكر .
2-يتمتع الذكر بمعاملة أفضل ويعفى من أعمال البيت .
3-ينظر الى تعليم البنت على انه من الكماليات وان جاءها خاطب تركت الدراسة لأن العلم لا يفيدها !!
4-يقتصر دور البنت في سائر حياتها على ارضاء الرجل فتدرب على أعمال المنزل والتفنن في الزينة والإغراء .
5-يغض النظر عن أخطاء الرجل وكأن من الطبيعي أن يقع الشاب في الزنا بينما تقتل المرأة (لشرف الرجل) .
6-النظرة الدونية للمرأة المطلقة ولو كانت مظلومة وكأنه لا حق لها بأن تفكر في الطلاق .
7-أنظر إلى الأمثال الشعبية التي تضمنت كثيراً من الأقوال المحقرة للمرأة
(هم البنات الى الممات ، شاورهن وخالفوهن ، لا تعطِ سرَّك لإمرأة ، عسى أن تموت البنت يوم ولادتها … وإلى آخرها ) .
أما الطامة الكبرى فتقع عندما نخلط التقاليد بالدين ، فعندما تأخذ طابع القداسة ومن يرفضها يصبح كافراً ، والأمثلة كثيرة على ذلك كقولهم : إن الله فضل الرجل على المرأة .
أما التحرير ، فهل هو التحرر من اداء الواجب والانسياق وراء الرغبات والأهواء أم التحرر من التقاليد السلبية التي حقرت من شأن المرأة وكبلتها عن الانطلاق في العلم والخير .
ابتداء أقول إن حركات التحرر جاءت ردة فعل على تشدد التقاليد وكل ردة فعل لا تخلو من الشطط ومما لا شك فيه ان حركات تحرر المرأة منحتها حقوقاً كثيرة كالتعليم وحق العمل والخروج للمشاركة في فعاليات المجتمع ولكن هل حررتها من أن تعيش لإرضاء الرجل ؟
ثم الم تتعرض المرأة للظلم اذا اصبحت تعمل في البيت وخارجه وكثيراً ما تحرم من راتبها فيأخذه زوجها أو تصرفه على حاجات البيت والأسرة ثم انها عند الحمل والولادة لا تعفى من بعض الواجبات الصعبة فهي في نصب دائم وينعكس ذلك على الأطفال لأن أمهم مرهقة ولا تتفرغ لتربيتهم بالشكل الأمثل وكان في ذلك أكبر خسارة للمجتمع باعتبار دور المرأة الجليل في صناعة الانسان .
هل تحررت المرأة فعلاً أم اننا نعيش العصر الذهبي للرجل الذي أكل مالها وجمالها وهي تظن انها الرابحة مع انه يستغل جمال المرأة في الترويج للبضائع بل وفي الانتصار السياسي .
بعد هذا الاستعراض السريع للاتجاهين أقول : نحن بحاجة الى توازن بينهما فالتقاليد لن تسمح بالنمو والتقدم والتحرر لا يمكن أن يكون بالتخلي عن الواجب واتباع الأهواء ، ولا يمكن ان يكون التحرر شعارات جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع ، التحرر لا يمكن أن يكون بمزيد من العبودية للرجل ولا بالتنكر لبناء الانسان الذي هو أول عناصر الحضارة وأهمها ..
ان التحرر شرف وكرامة منبعه الاحساس بأن لي دوراً مهماً في رقي المجتمع وانني أساهم في بنائه وسلامته بقدر ما استطيع .
ولا بد أن اشير الى الدور العظيم الذي شرفت به المرأة عند الله حين كلفت بصناعة الانسان وكلف الرجل بالقيام على شؤونها وتأمين عيشها بعزة وكرامة (الرجال قوامون) كي تتفرغ لأمومتها ، انها الصياغة الفكرية والاخلاقية للانسان وليست مجرد رعاية جسده ، فقد أجمع الفقهاء على ان المرأة لا يطلب منها خدمة المنزل ، ان هذا الدور فيه من الكرامة والتشريف ما جعل النبي (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) يقول للسائل : أمك … ثم أمك … ثم أمك ، فلقد سبقت الأب بثلاث مراتب .