الحلاّقة أو العاملة في التجميل والكوافير والمختصة في التدليك، وهي جميعها مهن تحكم عليها فئات واسعة من المجتمع بأنها مقترنة بسوء السمعة وبالانحلال الأخلاقي.
تضع بعض المهن الشعبية المرأة في خانة الاتهام المجاني والأحكام المسبقة التي تجد رواجها الواسع في المجتمعات العربية، خاصة منها التي لا تؤمن بعمل المرأة من الأساس، وتلك التي تفرض القيود على خروجها للعمل وتحصرها في مجالات بعينها. ومهما اختلفت الأسباب التي تدفع النساء إلى العمل بهذه المهن غير المقبولة مجتمعيا سواء كانت مبنية عن قناعة أو بسبب الظروف المادية فإنّ النظرة المسيئة تطلق في أغلب الأحيان بلا تردد.
تتشابه الاتهامات للمرأة العاملة بالمهن غير التقليدية في جل المجتمعات العربية نظرا لاشتراكها في نفس الخلفية الثقافية والتقييمات الأخلاقية المرتبطة بالدين وبالعادات والتقاليد وبالأعراف الاجتماعية. وتكون هذه الاتهامات أكثر تشددا وقسوة تجاه النساء في المجتمعات العشائرية والقبلية. وتحاصر المرأة بين الحاجة والنظرة الاجتماعية في المجتمعات المعروفة بكونها محافظة أكثر من غيرها في كل ما يهم المرأة خصوصا فيما يتعلق بالعمل.
ومازالت بعض الدول العربية تناقش حق المرأة في العمل وتربطه بجوازه في الشريعة الإسلامية من عدمه، وبدورها الرئيسي في الأسرة وتأثيرات العمل على هذا الدور، وذلك بقطع النظر عن المهنة.
وتعتبر المملكة العربية السعودية مثالا عن هذه الدول، حيث لا يسمح للمرأة بالخروج من البيت وبقيادة السيارة، ولا بالعمل في العديد من المجالات. لكن هذا لا ينفي وجود سعوديات عاملات، ولم يمنع عدم السماح هذا العديد من النساء من تحقيق مسيرات عمل ناجحة.
ونجد نوعا آخر من المجتمعات العربية التي لا تقبل عمل المرأة إلا في المهن التي يقبلها المجتمع مثل التعليم والصحة. وهو الحال في غالبية دول الخليج العربي، لذلك نرى الحقوقيين فيها وبعض القيادات المستنيرة ذات الأفكار الحداثية يدعون لتغيير هذا التفكير.
وحتى في الدول التي تعترف بحق المرأة في العمل دستوريا والتي وضعت قوانين تتيح للنساء العمل في مختلف المجالات، حيث تتصور النساء أنهن تمكنّ من الحصول على نصيب هام من الحقوق التي تقرّبهن من المساواة مع الرجال، نجد رفضا مجتمعيا واسعا للعديد من المهن التي تقدم عليها النساء مثل الحلاقة والنادلة والعاملة في الحظائر أو المصانع أو الملاهي الليلية.
وتختار بعض النساء هذه المهن عن اقتناع لأنها تتلاءم مع إمكانياتهن وقدراتهن وميولهن وتناسب مستوياتهن التعليمية. وبعضهن تبدو لهن مهنا سهلة أو مربحة أكثر من غيرها. وبالرغم من معرفتهن بما يمكن أن يواجهنه من رفض عائلي ومجتمعي وبتداعيات هذا الخيار إلا أنهن يمضين قدما. هذه الفئة في الغالب لا يستهويها دور الضحية.
ولدينا في تونس الحلاّقة أو العاملة في التجميل والكوافير والمختصة في التدليك، وهي جميعها مهن تحكم عليها فئات واسعة من المجتمع بأنها مقترنة بسوء السمعة وبالانحلال الأخلاقي، والحال أن مسألة التقييم الأخلاقي والحكم على المرأة لمجرد امتهانها مهنة معينة يظل نسبيا فلا مجال لأن يكون حكما مطلقا.
وهناك فئة ثانية من النساء اللائي تضطرهن أوضاعهن الخاصة والمادية والاجتماعية إلى العمل في هذه المهن، وتقل أمامهن الخيارات وتقسو عليهن الحياة بسبب البطالة والخصاصة، وتجدن في المهنة غير التقليدية أو غير المقبولة اجتماعيا حلاّ يمكّنهن من العيش بكرامة ومن الاعتماد على أنفسهن دون التعويل على مساعدة الآخرين أو شفقتهم. هذه الفئة تتسم المرأة فيها بقوة الشخصية والإرادة لأنها تهتم فقط بتحقيق اكتفائها الذاتي.
وتواجه العاملات في المهن التي تقوم على خدمة الزبائن خاصة من الرجال مثل نادلات المقاهي والعاملات بالملاهي الليلية صعوبات أكثر من نظيراتهن اللاتي تعملن في ميدان نسائي أو في عمل بتوقيت عادي في النهار. هؤلاء النسوة لا يعانين فقط من الأحكام الأخلاقية ومن النظرة الدونية بل هنّ عرضة أيضا إلى المضايقات أكثر وإلى التحرش من الزملاء ومن الزبائن وفي الطريق إلى العمل، وقد تواجهن كل أنواع مخاطر الأعمال الليلية.
نقلا عن العرب