23 نوفمبر، 2024 7:31 ص
Search
Close this search box.

المذهب الرمزي وتوظيفه في الدراما السورية الفانتازية

المذهب الرمزي وتوظيفه في الدراما السورية الفانتازية

احتلت الدراما السورية في الآونة الأخيرة مكانة مؤثرة وفعالة،في تأسيس ثقافة بصرية،عن طريق محاكاة الأحاسيس والمشاعر لدى المشاهد،وتحديدا هنا يهمنا الدراما الفانتازية التاريخية التي ابتدأت مسيرتها في بداية التسعينات وكان للمخرج السوري القدير نجدت اسماعيل أنزور،والكاتب السوري هاني السعدي،دور تاسيسي وجذري في هذا الإنقلاب الدرامي على الساحة العربية،بعدما أمسى التلفزيون شكلا من أشكال الترفيه والتسلية،فكانت أعمال البركان-الجوارح –الكواسر-غضب الصحراء –الموت القادم إلى الشرق –رمح النار- الفوارس -البواسل –المسلوب،من الأعمال الدرامية التلفزيونية التي احتلت مكانة متميزة وخاصة في ذهن المشاهد العربي.
الدراما كفن إنساني نشأت عن طريق الميل الغريزي للمحاكاة عند الإنسان،والدراما هي جزء من الفن المسرحي المتكامل،فقد ارتبطت ارتباطا وثيقا بنشأة الإنسان على هذه الأرض،وقد جسدت صراعه مع الطبيعة والقوى الخفية،والدراما هي نوع من النصوص الأدبية التي تؤدي تمثيلا في المسرح أو السينما أو التلفزيون، (أخذت الكلمة من اللغة الإغريقية القديمة ،وتعني العمل،وتأتي بمعنى التناقض أيضا،حيث أنها كلمة مشتقة من عدة اسماء لكتاب وفلاسفة مشهورين،وهذا النوع من التمثيل عبارة عن مزيج من الأشياء، والتناقضات،كالضحك،والجد،والحزن،وغالبا ما تهتم الدراما بالتفاعل، الإنساني،وكثيرا ما يصاحبها الغناء والموسيقى ويدخل فيها فن الأوبرا) * ،والدراما قد تكون مضحكة وهو ما يطلق عليها الملهاة،أو محزنة ويطلق عليها المأساة،وهناك ما يجمع بين الإثنين ويسمى التراجيوكوميدي،حيث يتم تناول الشخصيات الإسطورية ببعض السخرية ويطلق عليه أحيانا بالكوميديا السوداء.
****
ساهمت الدراما الفانتازية في استغلال الثورة البصرية التي وظفت توظيفا فعالا في المسرح الرمزي من خلال الإضاءة والديكور والموسيقى، والأزياء،ومن خلال الفراغات في السيناريو أو لغة الصمت،التي تثير في المشاهد مجموعة من التساؤلات المبهمة والجوهرية، وتحاكي عوالمه الداخلية وأحلامه الخفية،و تساعد على اثراء مخيلته واستفزازها،في كثير من الجوانب،وساهمت الموسيقى والإضاءة والتركيز على الجانب الحركي
للمثل،ولغة الجسد في تحديد وتكوين الإنسجام البصري الكامل،هذا اضافة إلى الألوان،والرقصات التعبيرية، واستحضار الحكايا الإسطورية في كثير من جوانب السرد الدرامي.
أما الرمزية كمفهوم شائع ومتداول في الأوساط الثقافية:- فهي عبارة عن حركة ثورية في الأدب والفن ظهرت في فرنسا في آواخر القرن التاسع عشر كرد فعل على المدرستين الواقعية والرومانسية،وكان هدفها التعبير عن سر الوجود باستخدام الرمز، معبرة عن الوعي الباطن للإنسان،وعن أحلامه الداخلية؛لذا فقد رفضت الرمزية محاكاة الواقع،بشكله المباشر والظاهري،واتجهت إلى الجوهر غير الملموس،معتبرة أن الحقيقة لاتدرك بالعقل وانما عن طريق الخيال،وإن الفنان يكون رؤيته الرمزية عبر مجموعة من الإدراكات الحسية.
إن توظيف الرمزية في الدراما السورية الفانتازية،معتمدة بذلك على عناصر المسرح الرمزي، وعناصر فن السينوغرافيا كوحدة متكاملة للعرض المسرحي؛ ساهمت في نشوء ثورة حقيقية في تاريخ الدراما العربية،ورغم أن الفانتازيا التاريخية في السينما والدراما،ليست جديدة في العالم، فقد وظفت سابقا في السينما العالمية( الصينية واليابانية)،إلا أن نشأتها في الدراما السورية في بداية التسعينات،أحدثت انقلابا هاما وجذريا في وعي المتلقي العربي،فقد تناولت التاريخ ضمن سياقات جديدة خارج الزمن والجغرافيا،واستحضرت الأساطير والحكايات الشعبية التي تشبه كثيرا،حكايات ألف ليلة وليلة،وكليلة ودمنة،بلغة فصحى بليغة، وبصور واستعارات مدهشة وصادمة في نفس الوقت.
كانت أغلب هذه الأعمال تتمحور حول الصراع بين قوى الخير والشر،حول طغاة وجبابرة حكموا صحراء العرب،في بعد مكاني متخيل خارج الزمان،حول عصبة الغرباء وشذاذ الآفاق الذين استحلوا مدينة النور الموعودة،حول الفارس العربي الصعلوك الذي يخرج من صحراء العرب،بعد أن أيقظه حلم الخلاص؛ ليلم شمل القبائل العربية،وينتصر على الروم المستعمرين،حول الثأر والحقد والخيانة والحسد،وأخيرا حول ولوج إلى الإنسان إلى جوهر ذاته وتخلصه من عبودية النفس التي كبلته ردحا طويلا من الزمن.
يحسب للمخرج السوري نجدت اسماعيل أنزور والكاتب السوري هاني السعدي هذا الذكاء في توظيف الفنون الإنسانية في الدراما،فهي لم تشمل المسرح أيضا،بل استخدمت فن القص وشعرية الحداثة،والكثير من التقنيات
المستخدمة في السينما،إضافة إلى جمالية الصورة وحركتها،والمشهد الصامت الملتقط، المشهد المليء بالغموض والأسرار الذي يكتنف أي لوحة تشكيلية بارعة الجمال والتكوين.
في زمن يسود فيه الإنحدار الفكري والإبداعي على جميع المستويات والأصعدة،في زمن ساد فيه الفن الإستهلاكي والتجاري،نحتاج إلى فعل جمعي خلاق يؤسس لثقافة صورية حقيقية من خلال الدراما والسينما،نحتاج إلى مرآة صافية ونقية للوعي،إلى تلك الصورة التي ستبقى راسخة في مخيلتنا على مر الأجيال والأزمان القادمة.
……………………..هوامش………………………………………..
*مفهوم الدراما نبذة تعريفية ( ويكبيديا الموسوعة الحرة)
تأثرت الدراما السورية أيضا كثيرا،بالآداب العالمية،وخصوصا الروائية منها،فعالجت قضايا اجتماعية وسياسية وثقافية،واستحضرت كثيرا من القصص العالمية لكتاب عالميين كبار،واعادت انتاجها في إطار شرقي خاص. نذكر على سبيل المثال سلسلة مرايا لكاتبها ومؤلفها المبدع ياسر العظمة ( بدأت بالثمنينات وما زالت مستمرة إلى وقتنا الحاضر)،وسلسلة بقعة الضوء التي بدأت البث سنة 2001 وما زالت مستمرة إلى حد الآن.
الموت القادم إلى الشرق من الأعمال التاريخية الفانتازية في الدراما السورية،وهو من الأنساق المبتكرة التي اتخذت من قوة الرمز أداة مؤثرة للتعبير عن القضية الفلسطينية، وشعبها المضطهد،لكن المتابع الحقيقي لهذا العمل والذي يملك مخيلة تحليلية عميقة، سيلاحظ هناك مجموعة من العناصر الدالة المرتبطة مع بعضها البعض بقوة إيحاء غامض، يدفعنا نحو هاوية من الأسئلة الحادة. هذا الإيحاء كان رؤية مستقبلية من الكاتب.رؤية استباقية تنبأت بما سيحصل اليوم في الشرق من ويلات ومآسي وانقسامات، ودخول شراذم الغرباء من جميع أنحاء العالم؛ليعيثوا ظلما فسادا في الشرق المستباح.

أحدث المقالات

أحدث المقالات