يروي نجل الموسيقار،والملحن، والمؤلف السوفيتي؛إسحاق دونايفييسكي (1900-1955) ان جوزيف ستالين سأل وزير الثقافة؛ أندريه جدانوف(1896-1948) لماذا الموسيقار الذي ابدع 11 أوبرا وأربع مسرحيات باليه، وعشرات الأفلام ومئات الأغاني المشهورة؛ لم يفكر بكتابة أغنية عن ستالين!
ربما كان الزعيم السوفيتي يمزح؛ او انه كان يرغب فعلا، بان يخلد الموسيقار الشهير الذي يوصف بانه” ابو الجاز السوفيتي” اسمه، باعتباره المنتصر في الحرب العالمية الثانية .
لكن ما ان خرج جدانوف من اللقاء؛ حتى اتصل فورا بإدارة مسرح البولشوي؛ وتم استدعاء الملحن والعازفين والمنشدين. وعملوا طوال الليل وتم تسجيل أغنية؛ طبعت على أسطوانة تحمل توقيع دونايفييسكي ؛ سلمها الوزير للزعيم في الصباح!
وحسب نجل الموسيقار، فان والده حاز على جائزة ستالين للثقافة مرتين؛ تسلمها من يد الزعيم؛وحصل على مكافات كثيرةاخرى.
تلخص الحادثة؛ غير المعروفة،لدى كتاب سيرة ستالين؛ قبل المقابلة التي اجريت مؤخرا مع مكسيم نجل دونايفييسكي؛ المقيم بين فرنسا والولايات المتحدة ،وهو ملحن ايضا؛كيف يخلق الدكتاتور؛ وكيف يغذي المثقفون الانتهازيون؛ أمثال الوزير جدانوف، الغطرسة، وحب الذات لدى الزعماء ويجعلون منهم اسودا في غابة من النعاج.
لم يكن امام الموسيقار ان يرفض؛ لان الاعتقال ينتظره.
كما من المستحيل تصور؛ ان لا تفتح أبواب البلوشوي بليل ويتقاطر العازفون والمنشدون الى الاستوديو وهم في البسة النوم ربما!
انتشرت الأغنية مع الأغاني الاخرى، التي تمجد الزعيم.وسحبت من التداول بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي(1956) المعروف باسم مؤتمر نقد عبادة الفرد. وازالة ضريح ستالين المحنط من الساحة الحمراء وحرقه. ودفنه رمادا في جدار الكرملين،جنبا الى جنب مع طابوق السابقين واللاحقين واخرهم أندريه اندروبوف.
اعادت رواية نجل الموسيقار، الذي رقصت شعوب الاتحاد السوفيتي، حقبا على أنغام مقطوعاته؛ وأنشدت اغانية الأجيال؛ الى الذهن ما حكاه لي الكاتب الصحفي والشاعر الراحل الصديق زهير الدجيلي يوما ::
قال ان إدارة الإذاعة والتلفزيون استدعته مع مجموعة من الشعراء وأدخلتهم الى الاستوديوهات،ومنعتهم من الخروج ،والعودة الى بيوتهم لعدة ايام مع توفير كل مايلزم من وسائل الراحة؛وطلبت منهم تأليف الأغاني والأهازيج بعد اندلاع الحرب العراقية الإيرانية .
وروى زهير ان الشعراء، ابدعوا بالفعل عشرات الأغاني التي دخلت البوم الغناء العراقي؛ وما يزال بعضها خالدا في ذاكرة العراقيين.
بل ان اغان كثيرة انتشرت في العراق تنتمي بهذا القدر او ذاك الى تلك الأنغام.
حتى صارت أهازيج الحرب عودا لا يمكن للأجيال الجديدة من الملحنين والمغنين تجاوز أوتاره او التفوق عليها.
لا احد يلوم من يضطر تحت التهديد للإبداع.
لكن ان يتبرع البعض لخدمة الزعيم، وتغذية الدكتاتور؛ فان الامر مختلف.
كان تصرف الوزير الستاليني جدانوف رخيصا وانتهازيا؛ مثلما تصرف مئات الشعراء الشعبيين في العراق خلال حقبة صدام حسين؛ حين صدحت حناجرهم بقصائد المديح أوصلت الدكتاتور الى مصاف الاولياء والأنبياء واقل من الخالق عز وجل بسلم واحد!
فقد حدثني شاعر شعبي معروف ان ألف شاعر من امثاله (هكذا بالضبط ألف )كانوا يتسابقون في تدبيج قصائد المديح لاًبو عدي.
وان الغالبية الساحقة استخدمت الثرات الحسيني؛ وقسم ليس بالقليل منهم قراء مآتم في اضفاء اعظم الصفات على القائد.
ويعترف محدثي ان جمعية الشعراء الشعبيين التي تضم شعراء الجنوب والفرات الاوسط كانت تبادر بنفسها لتنظيم مسابقات في تعظيم القائد طمعا بالعطايا والهدايا. وان الامر لم يأت من الأجهزة العليا.
المداحون والرداحون افة الأمم!
انهم فيروس الدكتاتوريات. وسرطان يتفشى في جسد الدولة؛ ينتقلون من نظام الى نظام مثل سروج الدواب.