23 ديسمبر، 2024 5:48 ص

المدينة ليست فاضلة

المدينة ليست فاضلة

اقسم انه سيجوب شوارعها وهو الذي تحتفظ ذاكرته بادق تفاصيلها، كأنه يعرفها معرفة امرأة تعرت امامه مرات عديدة، نعم سافتش في جيوبها عن اية ممنوعات، عادة ما تخرق القوانين هذه الشوارع، فتأتي بجثة او كومة نفايات، ساخرج مبكرا في صباح يوم الجمعة ، وابدأ  جولتي من شارع الرشيد، الشارع العريق الذي بدت على ملامحه الشيخوخة المبكرة، لكنه لم يكن يفكر انه وصل الى ماوصل اليه، القوات الامنية تجوب الشارع تبحث عن حصاد ليلة فائتة من الجثث المجهولة، الاوامر تصدر بتفتيش اماكن النفايات، فقد درجت العصابات على رمي الجثث مع النفايات، في الزمن الغابر كانت الجثث تدفن حتى لمسافة بسيطة عن الارض، انا تعثرت بجثة في نهاية سبعينيات القرن المنصرم، كان النظام مجرما، لكنه يدفن الجثث واسمه نظام على الاقل، لم تجد دوريات الشرطة شيئا تنقله الى الطب العدلي، فوقفت امام اول مطعم لتناول الفطور، كنت انتظر بفارغ الصبر، قيامهم ثانية للواجب في شارع الجمهورية او السعدون، حتى يتم تمشيط العاصمة، وفعلا انتقلوا الى شارع السعدون، فكان حصادهم اربعة سكارى ينامون على الرصيف، حملوهم كما يحملون الجثث ورموهم في حوض السيارة، هرعت اليهم: هل هؤلاء جثث مجهولة الهوية، 
ضحك شرطي وهو يقول: هذه جثث من نوع آخر، كانت الحصيلة في شارع السعدون اربعة سكارى، لتذهب دوريات الشرطة باتجاه آخر،الشمس لم تشرق حتى الآن، وعليّ ان اكون قويا لمواصلة اكتشافي الذي احاول ان احققه، اول الناس نزولا الى الشوارع هم المتسولون، بدأوا رحلتهم، بعد ان رحلت الكلاب السائبة.

يقفون في الاشارات الضوئية وعادة ماتحدث مشادات كلامية بينهم تصل الى العراك احيانا بسبب المناطق، والمنطقة هي المكان الذي يحجزه المتسول له وكأنه سجل باسمه في الطابو، عاهات مفتعلة، وثياب متسخة ، هذه هي بضاعتهم التي يبيعونها على الناس، هناك من يصطحب اطفالا، وهناك من يعتمد على عاهته فقط، امتلأ الشارع بهم بعد ان تناولوا فطورهم في احد المطاعم، كنت قريبا من احدهم وهو يحدث زميل مهنته: اليوم جمعة والشارع فارغ، لو انني بقيت نائما، فاجابه الزميل: لاتغادر منطقتك حتى ليوم واحد، تعمدت ان اغادر شارع السعدون بسرعة، لكنني اقسمت الا اعرج على المتنبي، وغيرت رأيي في النهاية، ركبت الستوتة واتجهت الى المتنبي، باعة الكتب للتو يلقون ببضاعتهم على الارصفة فثلاثة ارباع الشارع الصغير محجوزة لهم، يبقى متر واحد او اثنان لمرور المشاة، اليوم جمعة وعليّ ان انهي مشواري بسرعة، فانا لا اريد ان القى احدا لابدأ معه حديثا مكررا عن الحكومة وداعش والخدمات، القيت نظرة سريعة على دجلة وعدت ادراجي الى قيصرية حنش لاشرب الشاي، وانا بطريق العودة لم اكن اتوقع ان اعثر على هذا الكم من الجثث المجهولة الهوية، كانت ممددة على الارصفة، وينادي عليها الباعة بابخس الاثمان.