لا يختلف أثنان من الداخل العراقي، على حيادية المرجعية الدينية العليا، ومواقفها وتوجهاتها الوطنية، إلاّ من شذ عن قواعد بناء دولة تحترم إرادة جماهيرها؛ ولا من الخارج سيما بعد مواقفها الثابتة لعراق بعيد عن التطرف ومنطلق للسلام، ليحفظ علاقات متوازنة مع دول العالم، بدءَ من إمتدادها مع التاريخ العراقي، الى فتوى الجهاد الكفائي ودرء الإرهاب عن أنحاء المعمورة.
جملة التوجيهات التي تطلقها المرجعية، تدعو لبناء دولة دون تمايز لفئة على آخرى، ووفق حاجة مجتمع وطبيعة مكوناته.
تنطلق المرجعية الدينية العليا في العراق، من تاريخ طويل عزز الثقة مع مكونات الشعب، وتجارب مفصلية هددت صمود دولة أمام سيل عارم من التحديات، ومن فتواها لثورة العشرين، الى مجابهة الأفكار الدخيلة على المجتمع، ومسايرتها للعمل السياسي والإجتماعي بمختلف النظم السياسية التي حكمت، متحديةَ القمع ومآرب تقسيم مكونات الشعب، وصولاً الى النظام السياسي بعد 2003م، وأصرارها على دستور عراقي وإحترام خيارات الناخب بإختيار ممثليه.
تدخلت المرجعية بشكل أشبه بالمباشر، بهيبتها وعقلانيتها، وأثبتت قدرتها بأنها ليست طارئة على الواقع العراقي، وعالجت نقاط الإنكسار والفشل والفراغ، ومن منزل بسيط أنطلق بالحكمة وقت الأزمات والنور وسط ظلمات، ويتجلى للمتابع المُبصر لخطاباتها بعد 2003م، جدارة رؤياها وتشخيصها دون إنحياز، وتأثيرها المذهل دون قوة مادية، وحملت مصباح نجاة وسط ظلمات حالكة بالمغالطات السياسية، والمآرب التي تظهر الحاجة العصرية، وتبطن تدمير الدولة المدنية.
إن دعوات المرجعية لسنوات لم تخرج عن أُطر الدولة المدنية، ولم تمل لطرف، بدعوتها لإنتخاب الأصلح والتغيير والإصلاح، وحث الشعب على صناعة القرار، وعدم الركون والتماهي مع التجارب الفاشلة، ومدنيتها من مواقفها الوطنية المعتدلة، التي منعت التقسيم والتمزق والحرب الأهلية، وفي آخر خطابات المرجعية، تحدث عن محاكاة الحاجة الواقعية والآنية، وخطابت الطبقة السياسية بالحاجة الى حكومة خدمة وفق مقومات أربع، تخصص المسؤول وقدرته على تحمل المسؤولية، والثانية الإستعانة بالمستشارين والمساعدين من ذوي الإختصاص، والثالثة إعطاء سقوف زمنية للعمل، لتتحقق الرابعة بإعادة الثقة بين الخادم والمخدوم.
وضعت حكمة المرجعية صمام أمان أبعد العراق عن كوارث حتمية، وأعادت للدولة هيبتها ومنعها من الإنزلاق الى الهاوية، لتحقيق العدالة المجتمعية.
تدرك إمتلاك المرجعية العراق للمقومات الإقتصادية، وثروات باطن الأرض وظاهرها بمجتمعها، وإلحاح حاجة المجتمع، بعد إهدار المال بسوء الإدارة للحكومات المتعاقبة، ويبدو أن بعض الأطراف ما تزال تراهن على إغراق العراق أكثر بعد أن أنقذته المرجعية مراراً، وأما أن يكون قد أطرشها المال الحرام، أو أنها تسعى لتفكيك واقع الدولة، وبذا تطعن بكل ما هو أساس شرعية الواقع المجتمعي، وطبيعة الأفعال المرجعية والتأيدات الشعبية، التي آمنت ووثقت بكل ما تقوله المرجعية، وتأكدت أنها تسعى لدولة مدنية ليست على حسابات شخصية.