18 ديسمبر، 2024 6:42 م

المدرسة الحسينية ونتاجها في المجتمع

المدرسة الحسينية ونتاجها في المجتمع

لم يذكر لنا التاريخ أو السيّر أن الإنسانية عندها مدرسة تعطي الدروس بمختلف أنواعها إن كانت دينية او تاريخية أو أخلاقية أو تربوية أو سياسية وعلى مدى شهرين بأيامها ولياليها وساعاتها المتواصلة وعلى أكثر من 750 مليون طالب ، ويرافق هذه الدروس توزيع الوجبات الغذائية مع المشروبات المختلفة ، وهذه المدرسة التي يشرف عليها الإمام الحسين عليه السلام بكل معنى الإشراف قد ثقفت الملايين من شيعة أهل البيت عليهم السلام وجعلتهم على معرفة كبيرة بالعقائد الحقة وبالتاريخ الإسلامي الملوث بأخبار وسيرة الحكومات الجائرة من أصحاب السقيفة وأصحاب الوثيقة الملعونة بني أمية وبني العباس والعثمانيين وباقي حكومات الظلم والجور ، وبالرغم من وجود هذه المدرسة العظيمة التي تتمنى الشعوب والحكومات في العالم أن تمتلك مثلها ولكن نتاجها لا يوازي مكانتها وما تملك من مقومات كبيرة قل نظيرها كعلوم أهل البيت وأخلاقهم وتاريخهم ومظلوميتهم ، ولكن هذه المدرسة في هذه الايام تعاني من شيئين :

الأول : بعض الذي يتصدى لإلقاء المحاضرات على الموالين ، لم يستوعب أو يفهم هذه العلوم ولهذا السبب يصبح كأنه ناقل لها من غير أن يعرف ما يقول أو الذي يستوعبها ويفهمها ولكنه لا يعمل بما يقول عندها تخرج كلماته من أطراف اللسان بدون أن تمر في القلب لهذا السبب فأن هذه الكلمات لا تتجه الى قلوب الحاضرين بل مستقرها الأذان ثم النسيان لأن ما يخرج من القلب يدخل الى القلب ، وكثير ممن يتصدى في هذه الايام لا يبذل أي مجهود في الإطلاع على روايات أهل البيت عليهم السلام بمختلف مجالات الحياة وإنما يقتصر طرحه على مجموعة معينة من الروايات قد حفظها المتلقي ولا يرغب سماعها لكثرة تكرارها مما يجعل الدرس أو المحاضرة مملة فيدفع الناس لعدم الحضور والمشاركة ومن ثم عدم الفائدة والتغير نحو الأفضل في المجتمع .

الثاني : الحضور الذي يشغل قاعات ( المجالس الحسينية) لم يهيئ نفسه على تطبيق ما يسمع من روايات وعِبَر وتجارب في حياته العملية وكأن هذه المحاضرات التي تطرح فضائها فقط في هذه المجالس وليس طرحها من أجل تطبيقها والاستفادة منها في مجالات الحياة المختلفة ، لهذا السبب نلاحظ بعض الحضور يشغلون أنفسهم في أشياء أخرى عندما تطرح المحاضرة فلا يستفاد مما يطرح من معلومات.

هذه بعض الأسباب التي جعلت هذه المدرسة إنتاجها لا يضاهي محتواها وقيمتها العلمية والأخلاقية والتربوية ، فنلاحظ تنتهي الشهرين وكأن المجتمع لم يكن في دورة تدريبية مركزة تعلمهم الأخلاق والتربية والعقيدة وغيرها من علوم فأنه يعود الى أخلاقه البعيدة كل البعد عن أخلاق أهل البيت عليهم السلام وابتعاده عن الدين وتعاليمه وكأن المجتمع ليس المجتمع الذي كان في المدرسة الحسينية يغترف من علومها وأخلاقها وتربيتها ، وكأن بعض المتصدين والحضور يتغافلون عن نقطة جداً هامة وحساسة وهي أن المشرف على هذه المدرسة وهو الإمام الحسين عليه السلام يسمع ويرى ، يسمع ما يطرح الخطيب ومستوى ما يطرح ونوعية المعلومات التي تلقى أن فهمها الحضور ام لم يفهمها والإمام الحسين عليه السلام هو الذي يعطي الدرجات ويحدد المستويات فكل على مجهوده الحقيقي بأعين الإمام الحسين عليه السلام لا بأعين الناس ، فالمتصدي الحقيقي والواعي عليه ان يجعل الإمام الحسين عليه السلام أول مستمع لكلماته وعبره ومن ثم الحضور لأن الذي يثيب هو المولى سيد الشهداء عليه السلام وكذلك الحضور عليهم أن يعلموا أن ابا الاحرار عليه السلام يراهم ويسمعهم وهو الذي سوف يحدد درجاتهم ، أي بمعنى أن المشرف على هذه المدرسة لم يتركها بل هو حريص على محتوى ما يطرح ويلقى في مجالسه لأن رضا الله سبحانه وتعالى هو هدفه الأسمى ومن هذا الهدف تتفرع كل الغايات والأهداف .

لهذا على جميع من ينتمي للمدرسة الحسينية من متصدين ( خطباء) وخدام وحضور ان يضعوا وجود المشرف ( الإمام الحسين عليه السلام) أمام أعينهم ومسامعهم وألسنتهم ولا يعمل عمل ولا تطرح فكرة أو كلمة ولا تقدم خدمة إلا وتكون خالصة لله سبحانه وتعالى لأنه يسمع ويرى ويسجل كل كبيرة وصغيرة ، فإذا وضعنا هذا المفهوم أمامنا فسوف يكون النتاج غير هذا النتاج والمجتمع يصبح أكثر سعادة لأنه سيطبق ما يسمع من محاضرات قد حُضِرت حتى يسمعها الإمام الحسين عليه السلام أولاً والحضور ثانياً ، فيأخذ الإصلاح تأثره على المجتمع نحو الأفضل والتقرب الأكثر لله سبحانه وتعالى وتعاليم دينه الحنيف وهذا هو الشعار الأكبر الذي أراد تطبيقه الإمام الحسين عليه السلام من خلال ثورته العاشورائية العظيمة وهو الإصلاح في أمة جده إذ قال (وأني لم أخرج أشراً ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه واله أريد أن أمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي ابن ابي طالب) .