بسبب الافتقاد الى ضوابط رصينة لاختيار المدراء للمؤسسات والدوائر الحكومية ,ظهرت موجات من المدراء الذين لايعرفون ماهية الادارة وواجبات المدير ,وبسبب الولاءات والانتماءات وصعوبة تنحية البعض منهم بسبب ارتباطاتهم او تبعيتهم الى جهات متنفذة , اصبحت الدوائر والمؤسسات تدار كما تدار الاقطاعيات في عهد الاقطاع , فالمؤسسة او الدائرة الحكومية تعود الى العشيرة الفلانية او الحزب او الحركة الفلانية (او كما تقول الفضائيات في دعاياتها هذا البرنامج برعاية العشيرة الفلانية او الحزب الفلاني). وترى أتباعها يسرحون ويمرحون في المؤسسة كما تسرح الانعام في المزرعة. بعض المدراء يعتقد أن الادارة هي (الپوزة) او البرستيج اي الظهور بمظهر أنيق وببدلة غالية وحماية وسيارات فارهة وموكب , وان يراجعه اقاربه وجماعته ويظهر امامهم بمظهر الآمر الناهي وان هذا هو كل واجبه . مدير اخر يعتقد أن واجبه هو تمشية الاعمال الورقية او ما يسمى بالبريد اليومي فحضوره اليومي محصور باستقبال المعارف والواسطات وتمشية البريد اما المؤسسة وموظفيها والمراجعين ومعاملاتهم ف (للبيت رب يحميه) .المديرهنا يعتقد ان العالم ورقي و ورقي فقط ,وما دام يوقع ويمشي الاوراق فهو يؤدي عمله وهو لا يرى من دائرته سوى الموجود في طريق دخوله من السيارة الفاخرة المحمية بالحمايات الرادعة الى مكتبه وبالعكس وما تبقى فليس من واجبه ولا يهمه معرفته .المذكورة بالخير نيللي كانت تغني في فوازيرها العتيدة (عالم ورق ورق ورق) وهو فعلا عالم ورقي ويبدو أن لهؤلاء المدراء حقهم ,ولكن فقط في بلدنا فبمجرد ان تخرج من حدود العراق تبدأ الحواسيب والحوكمة الالكترونية تأخذ دورها وترى مدى التطور الذي وصلت اليه في استخدامها اقرب الدول الينا .المدراء الورقيون موجودون بقوة خصوصا في بعض الدوائر التي تحتاج الى عمل ميداني كدوائر البلدية ودوائر التربية والمدارس الثانوية ودوائر الصحة والمستشفيات والمصانع والتي تحتاج الى مدراء ميدانيين لا ورقيين , يعرفون احوال العباد والبلاد من خلال الرؤية العينية والسماع الأذني ,وليس من خلال الجواسيس والمراقبة والوشايات والاوراق . بعض المدراء لا يعرف أجزاء دائرته وبعضهم لم يجري جولة لسنوات في مؤسسته ,وبعضهم يقول انا اعرف كل ما يدور من خلال عيوني المنتشرة في كل مكان ,ايها السيد المدير الذي جعلته الاقدار مديرا… لماذا تنظر بعيون غيرك لماذا لا تستخدم عينيك وتزنها برأيك بدلا من رأي الواشين والمدسوسين .بعض المدراء في كل حادثة صغرت او كبرت يفتح تحقيق ,وترى عشرات اللجان التحقيقية المشكلة والمسوفة والمطمورة في ادراج المكاتب ,وبعضها منسي من سنين او اشهر ولا نتيجة لان المدير يعتقد ان عليه تشكيل لجنة تحقيقية وتخليص نفسه ورميها في رقبة موظفي اللجنة من خلال الاوراق ,اما الوصول الى المقصر او النتيجة لحل المشكلة التي تم تشكيل اللجنة التحقيقية بسببها فهو غير مهم برأيه واما المهم فهو الاجراءات الورقية. بعض المدراء يأتي لمؤسسته لغرض تمشية مراجعي الواسطات ,ينتظره يوميا عدد من المراجعين الذين أرسلهم اليه المسؤولون الاعلى منه والذين يريد أن يرضيهم ,فهو يحسب حسابات الزمن ودورانه وقد يحتاجهم فهذه الدنيا دوارة كما يقول المثل وهمه ومقصده ارضاءهم فبأرضائهم تتحقق الاماني وينام قرير العين مرتاح البال ,اما المواطن العادي والموظف العادي فله رب يحميه او فليبحث عن واسطة تحميه .