19 ديسمبر، 2024 3:56 ص

المدار على الأعمال لا الأقوال

المدار على الأعمال لا الأقوال

-1-
لا نذيع سراً اذا قلنا :

إنَّ الأمة برجالها ،

وانّ الرجال بمواقفهم ،

وان الرجال يموتون ، ولكنّ مواقفهم المتميزة لا تموت ، ولا تمحى من ذاكرة التاريخ …

نعم الموقف الذي يفوح منه عِطْرُ الوطنية الصادقة ، والغيرة على الامة وكرامتها يبقى شامخاً عبر امتداد الزمن …

-2-

حين وقع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956- بهجوم القوات الفرنسية والبريطانية والاسرائيلية عليها إثر تأميم قناة السويس -، كان تفاعل الشعب العراقي مع هذه القضية كبيراً، وبلغ الحماس ذروته واعتبر فيه العراقيون الاحرار العدوان موّجها عليهم باعتباره يستهدف الاسلام والعروبة …

ومن المواقف اللافتة للنظر – في هذا السياق – موقف الراحل (تحسين علي) وهو من الشخصيات السياسية العراقية المعروفة في العهد، الملكي (1921-1948) فقد اختير وزيراً للمعارف عام 1941 ،

ثم رئيساً للديوان الملكي عام 1943 ،

ثم وزيرا للدفاع …

ت 1970

راجع ترجمته في (موسوعة اعلام وعلماء العراق)

ج1 ص115 / للاستاذ حميد المطبعي

فانه لم يُطق الاحتفاظ بالأوسمة التي كانت الحكومة البريطانية قد منحته إياها ، فأعادها الى السفير البريطاني ببغداد مشفوعة بهذا الكتاب :

عزيزي مايكل

في هذه اللحظة الحاسمة التي يجابه بها العرب عدوانا وحشيا تشنه بريطانيا على القومية العربية، بعد أن تآمرت مع اسرائيل عدوة العرب والاسلام ومع فرنسة التي لا يمكننا ان ننسى جرائمها في جميع البلاد العربية التي أوقعها سوء الطالع تحت استعمارها .

هذه الحرب التي استنكرتها جميع شعوب العالم المحّبة للحرية والسلام،

والتي تؤمن بمبادئ الامم المتحدة ومثلها العليا ،

أجدني مفجوعاً بالآمال التي علقها العرب على الصداقة العربية -البريطانية ،

كما اجدني بدافع من الحرص على مستقبل أمتي والانتصار للمبادئ الانسانية التي امتهنتها قوات حكومتكم بعدوانها الآثم على مصر مضطرا الى ان أعيد اليكم الأوسمة الأربعة التي منحت لي من حكومتكم ،

احتجاجاً على هذا العدوان الصارخ على مصر والقومية العربية .

وتجدون برفقة الرسالة الأوسمة الآتية :

1 – وسام الصليب الحربي .

2 – وسام الملك في الحرب العظمى الأولى .

3 – وسام النصر للحرب العظمى الاولى .

4 – وسام الملك للحرب العظمى الثانية .

تحسين علي

13 / 11 / 1956

( راجع تاريخ الوزارات العراقية / ج8 ص 123

للمرحوم عبد الرزاق الحسني)

-3-

لم يترك لنا الراحل (تحسين علي)، بموقفه النابض بأعمق الأحاسيس، خيارات عديدة …

فنحن أمام خيار واحد فقط ..

انه خيار الثناء والتقدير والاشادة الكبيرة بما فعل …

وهو قد عبّر في سطوره اللامعة ، عن أصالة العراقيين ونبلهم ، وعمق تفاعلهم مع قضايا الأمة …

فاستحق منا الإكبار والاجلال …

-4-

لقد كان الراحل (تحسين علي) من رجال العهد الملكي البائد ، وكانت الألسنة تلوك رجال ذلك العهد وتشكّك بوطنيتهم ، وتثير الغبار على مساراتهم السياسية الى الحدّ الذي تعتبرهم فيه صنائع للاستعمار البريطاني في العراق …!!

وقد انكشف بهذه الرسالة أنَّ صاحبها أكثر وطنية واخلاصاً من كل اولئك المشككين الذين لايحسنون الا فنّ الاتهام …

ونحن هنا لا نريد ان نكتب صكوكاً لبراءة رجال العهد الملكي بأجمعهم ، ولكننا أردنا الاشارة السريعة الى ما لقيه اولئك الرجال من مزاعم ظالمة لا تمت الى الحقيقة بنسب او سبب .

-5-

وليتنا اليوم نشهد من اصحاب الخطب الرنانة، والادعاءات العريضة التي لا تنقطع، وممن أثقلوا كاهل البلاد والعباد بأفدح الكوارث والأزمات ،

شيئاً مما شهدناه من اولئك البعيدين عن التبجح والذين يؤثرون مصالح الأمة على مصالحهم الذاتية ..

ما أوسع الفارق بين الفريقين .

وما أغنى الدروس في التجربتين …

انّ المدار على الاعمال لا الأقوال .

ولن يحصد المفتونون بذواتهم الاّ الخيبة في نهاية المطاف .

*[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات