23 ديسمبر، 2024 4:45 ص

المخفي والمسكوت عنه في آيات ” ملك اليمين .. “

المخفي والمسكوت عنه في آيات ” ملك اليمين .. “

أستهلال : في هذا المقام ، سأبين بعض التفاسير لهذه الآيات بصيغها المختلفة / بأقتضاب ، ومن ثم سأعرض قراءتي الخاصة لها ، ومجال توظيفها في نشر المجون والفسق في بلاط الخلفاء ، وكيف ساهمت في شؤون الحكم ، وبذات الوقت دورها في هدم وسقوط بعض دول الخلافة الأسلامية – عن طريق الجواري ، مع محاور أخرى تصب في ذات الصدد .
الموضوع : 1 . بداية لا بد لنا أن نقدم تمهيدا مختصرا لهذه الآيات ، ونقول أن التمتع بملك اليمين كان معمولا به من قبل رسول الأسلام والصحابة والتابعين .. ، ومن موقع / سنابل الخير ، أنقل مقطعا من مقال بعنوان ” من هن ملك اليمين ” (( أباح الإسلام للرجل أن يُجامع أمَتَهُ ( جاريته ) سواء كان له زوجة أو زوجات أم لم يكن متزوجا . ويقال للأمَةِ المتخَذَةُ للوطء ( سرِيَّة ) مأخوذة من السِّرِّ وهو النكاح . ودل على ذلك القرآن والسنة ، وفعله بعض الأنبياء ، فقد تسرَّى إبراهيم من هاجر فولدت له إسماعيل . وفعلَهُ نبينا ، وفعله الصحابة والصالحون والعلماء ، وأجمع عليه العلماء كلهم ، ولا يحل لأحد أن يُحرمَّهُ أو أن يمنعَهُ ، ومن يُحرِّمَ فِعل ذلك فهو آثم مخالف لإجماع العلماء )) أي لا يمكن تحريم التمتع بملك اليمين البتة !.
2 . ذكر ” ملك اليمين ” في الكثير من النصوص القرآنية منها : ( .. وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً / 36 سورة النساء ) ، وتفسيرها هنا ” قد يراد به الرقيق عموماً من الذكور والإناث .. / نقل من موقع أسلام ويب ” . و ( أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ / 30 سورة المعارج ) . وقد بين أبن كثير في تفسيره لهذه الآية حيث قال: ” والذين هم لفروجهم حافظون* إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين* … أي والذين قد حفظوا فروجهم من الحرام فلا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا أو لواط ، لا يقربون سوى أزواجهم التي أحلها الله لهم أو ما ملكت أيمانهم من السراري ومن تعاطى ما أحله الله له فلا لوم عليه ولا حرج .. ” . وذكر أيضا ( وَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تُقۡسِطُواْ فِى ٱلۡيَتَـٰمَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَـٰعَ‌ۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٲحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَـٰنُكُمۡ‌ۚ ذَٲلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُواْ / 3 سورة النساء ) .. ومعنى { ما ملكت أيمانكم } هنا ، أي : ما ملكتم من الإماء والجواري .
3 . مما سبق نلاحظ أن بعض التفاسير تأتي بمعنى ” الرقيق عموماً من الذكور والإناث ” ، وتفاسير أخرى تقتصر على ” الإماء والجواري ” ، هكذا هو ديدن التفاسير للنص القرآني ، ليس له من مدلول واحد ، بل عدة معان وعدة مفاهيم مختلفة . وللأستزادة : ” يمكن تقسيم الجواري في الإسلام إلى قسمين : جواري وإماء ، فأمّا الجواري فهنَّ اللواتي كنَّ من العبيد أصلًا يتمُّ شراؤهن وبيعهنَّ في أسواق العبيد ولا يتمّ الاستمتاع بهن من قبل الرجل ، وأمَّا الإماء ، وهنّ جواري ملك اليمين ، فهنَّ من العبيد ولكن يتَّخذهنَّ الرجل ملك يمين ليطأَ منهنَّ من يريد ويتَّمتع بها . / نقل من مقال لتمام طعمة ” . * وهذا تقسيم أو تصنيف فقهي ، ولا أعتقد بامكانية تطبيقه ! ، حيث أذا مال أو رغب السيد / خليفة أو أمير أو .. ، لأي مما ذكر / جارية أو أمة أو غلام ، فأنه سيتمتع بهم ، دون أي مانع ، خاصة وهو صاحب الأمر والنهي ! لأنه الحاكم أو ولي الأمر ومصدر النعمة . وأرى أنه ليس من السهل أن تجد فارقا بين من كان للوطأ أو للخدمة أو لأي أغراض أخرى .
القراءة : أولا – أن رسول الأسلام ذاته كان له جواري وأماء ، ( وقد كان عدد جواري الرسول من الإماء أربع ، وقد تزوّج باثنتين أعتقهما حين سُبيا ، وهما : جويرية بنت الحارث وصفية بنت حيي بنت أخطب . أما ملك اليمين كان عند رسول الله أربع إماء يمكن اعتبارهن ضمن ملك اليمين . وقد أوردَ ” ابن القيِّم ” أنَّ رسول الله كان لديه أربع من الإماء يطؤهنّ بملك اليمين : ريحانة وهي من بني قريظة . جارية كانت هبةً من زينب بنت جحش . جارية جميلة كان قد أصابها سبيةً من إحدى المعارك . السيّدة مارية القبطية ، وهي أمّ ولده إبراهيم / نقل من موقع سطور ، وبأختصار ) وكذلك كان لكل الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم الخلفاء والسلاطين والأمراء ، ومن المؤكد أن صحابة الرسول قد تمثلوا به ، باعتباره أسوة حسنة{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا/ 21 سورة الأحزاب}.
ثانيا – وكان للجواري دورا مهما في الخلافة الأسلامية ، حيث كانوا مرة أمهات للخلفاء ، ومن موقع مرايانا – مقال ليوسف المساتي ، أنقل التالي ( إذا أردنا أن نلخص بعضا من صور العصر العباسي ، يمكن أن نقول إنها .. عصر الجواري بامتياز ، إذ كان أغلب خلفاء بني العباس أبناء جواري باستثناء ثلاثة فقط ” السفاح ، جعفر المنصور ، الأمين ” ) . ومرة ثانية كانوا زوجات للخلفاء ، مثلا كانت ( الجارية الفارسة ” مراجل ” زوجة للخليفة هارون الرشيد وأما لولده عبدالله المأمون ) . ومرة أخرى كانوا عشيقات ومحضيات .. وقد جاء التالي في موقع العربي الجديد / مقال لعلياء تركي ، ( فقد كانت نوار ، جارية عند الخليفة الوليد بن يزيد ، والمحظية عنده ، لها ذكر بالشام في رواية الحديث ، واتصفت بالفضل والعقل . وهي التي أمرها الوليد أن تصلي بالناس ـ وقد سكر الوليد وجاءه المؤذن ـ وحلف عليها أن تصلي . فخرجت متلثمة لابسة بعض ثيابه فصلّت بالناس .. وهنا تحاجج ” الباحثة علياء ” بأن هذه الحادثة مثّلت الفرصة لفقهاء عصور الانحطاط .. إذ نرى الجارية المستهترة بالدين يأتم بها المسلمون بسبب أوامر الوليد ) .
ثالثا – وملك اليمين / بمختلف المرجعية جواري وأماء ، كانوا سببا رئيسيا في نهاية الخلافة العباسية ، فهذا الخليفة المستعصم بالله ، أخر خليفة عباسي / 1213 – 1258 م ، ترك الحكم وسرح معظم الجيش ، متفرغا للهو والمجون والتمتع بملك اليمين ، وحتى حين سقطت بغداد كان منغمسا بالفسق مع الجواري ، فقد جاء في موقع / المرجع الألكتروني للمعلوماتية ( صفى هولاكو جواري دار الخلافـة التي كـان يملكها المستعصم مستصحباً الغنائم منهن معه الى مركز حكمه في تبريز ، لكنه سمح للمستعصم قبل ان يقرر نهايته على اختيار ما يريده من جواريه مصاحبه له الى مركز اعتقاله في المعسكر ، ويقال انه انتقى من جواريه ما يريد ما يربو على عشرين جارية . ويذكر ” أبن العبري ” أن في منزل الخليفة المستعصم كانت الجواري بحوالي سبعمائة أمرأة ، ومعهن ثلثمائة خادم خفي عندما أخرجهن هولاكو من دار الخلافة .. ) .
أضاءأت : * ليس من ناقد أو كاره لآيات ملك اليمين ، وذلك لأنها مشرعنة بنصوص قرآنية – لا تمحى ولا تنسخ ، وكل الصحابة والتابعين منذ فجر الأسلام كن يتمتعن بملك اليمين ، لذا الفقهاء بتفاسيرهم ، وقفوا مؤيدين ومؤكدين لهذه النصوص . * وكان الرسول ذاته ، أضافة الى وطئه للجواري ، فأنه كان يستمتع بغنائهم ، وفي دار عائشة بنت أبي بكر ، وقد جاء في موقع / الألوكة ، التالي ( غناء الجواري في بيت النبي ” عن عائشة قالت ” : دخل أبو بكر الصديق ، وعندي جاريتان من جواري الأنصار تُغنِّيان بما تقاولت الأنصار يوم بُعاث قالت : وليست بمغنِّيَتَيْنِ ، فقال أبو بكر : أمزاميرُ الشيطانِ في بيت رسول الله ؟ ! – وذلك في يوم عيد – فقال رسول الله : ” يا أبا بكر ، إن لكل قومٍ عيدًا ، وهذا عيدُنا ” ) . * أما عمر بن الخطاب ، فجواريه كن يخدمن شبه عرايا ، فقد جاء في موقع الأسلام سؤال وجواب ( عن أنس بن مالك قال ” كن إماء عمر يخدمننا كاشفات عن شعورهن ، تضطرب ثديهن ” قلت : وإسناده جيد رجاله كلهم ثقات غير شيخ البيهقي أبي القاسم الحربي وهو صدوق كما قال الخطيب ( 10 / 303 ) وقال البيهقي عقبه “والآثار عن عمر في ذلك صحيحة”). * أما الحرملك في عصر الأمبراطورية العثمانية ، فهي خير مثال ، على الفسق والعهر والمجون ، أضافة الى أنها تبين دور الجواري في الحكم وفي حياكة المؤامرات داخل أروقة القصور ، وأنقل بأختصار من موقع / تركيا الأن ( من بين كل حكايات الحرملك العثماني ، يمتلك السلطان مراد الثالث (1574- 1595) أكثرها لفتًا للانتباه على الإطلاق ، بعد أن استحوذت عليه شهوة جنسية مفرطة ، دفعته لاتخاذ عدد هائل من الجواري في فراشه ، والعبث معهن بشكل زاد عن الحد ، إلى درجة انشغاله بهن عن السلطة ، التي أصبحت في قبضة زمرة من الحريم . قصص مثيرة للغرائز حول ما أطلق عليه « لهو الأحواض » ، وهي أحواض من اللبن كان السلطان العثماني يخرج إليها في نزهاته المعتادة رفقة جواريه ، ويجلس منفرداً بينهن وهن عرايا ، ويسبحن بين يديه في الأحواض . وأصبح السلطان ظلاً شبحياً لا يرجى منه خير ، وتهافت على السلطة مجموعة من الجواري ، وبرزت جارية بعهده أسمها ” جان فدا ” كانت لها سلطة على مراد وعلى الحكم معا ) .
ومضة : أن الإسلام : ” جاء ليُعْلي القيم ، وليتمّم الأخلاق ، كما قال رسول الله ( إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق / السنن الكبرى للبيهقي : ٢٠٧٨٢ / نقل من مركز الدعوة الأسلامية ) ” ، التساؤل هنا : كيف لمعتقد حديث رسوله يدعوا الى تكريس ” القيم والأخلاق ” ، ومن جانب أخر ، كتاب هذا الرسول / القرآن ، يدعوا الى وطأ ملك اليمين ، بعدد غير محدد أضافة الى الزوجات الأربع ( فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ .. / 3 سورة النساء ) . والتساؤل الأهم ، أن هذا الرسول الداعي الى القيم والأخلاق ، يكون ذاته البادئ بوطأ ملك اليمين . فهنا تبرز تناقضات هذا المعتقد ، بين النص وبين القول والفعل . وأني أرى أن وطأ ملك اليمين ، نصا مخالفا لكل القيم والأخلاق ، ولكن شرعنته جعلته مبدأءا عقائديا متبعا.