كان يفترض بعد تشكيل حكومة اقليم كوردستان الحالية، من قبل الأحزاب الرئيسية الثلاثة في الإقليم، أن تكون العلاقات السياسية الكوردية – الكوردية في شتى الاتجاهات والميادين طبيعية وراسخة، وأن تدخل مرحلة تلقف الفرص للتطوير والتوطيد، وكان ينبغي أن يجري التركيزعلى توحيد الصف والكلمة، والتخطيط بين المؤسسات السياسية والمدنية والثقافية والإعلامية ومختلف شرائح المجتمع الكوردستاني، بغية محاكاة العقول والضمائر وبناء جسور دائمة وقوية بين الكوردستانيين وإنهاء معاناتهم، وإعادة النظر في السياسات المتبعة، تجاه بغداد والتوغل الإيراني و التركي في أراضي الإقليم والتحرك المكثف في سبيل إستبدال سوء فهم خطاب الاستهانة والكراهية ضدنا، والوصول الى قنوات تفاهم وفهم مع بغداد وأنقرة وطهران، والشعور بالثقة في النفس أكثر من أي وقت. خاصة وأنها (أي حكومة االإقليم) قد نجحت الى حد كبير في مواجهة الكثير من التحديات التي واجهتها عقب تشكيلها، وتمكنت من صد العديد من الهجمات التي استهدفتها، ومحاولات تقويض ما حققتها وما تحققها من إنجازات. ولكن واقع الحال يقول العكس، وإنها ما زالت تعاني من الفوضى والإنقسام، ومن الفجوة العميقة وضيق الأفق والتقصير والقصور والإنتقائية وهدر الجهود وغياب الوعي والخطاب السياسي والإعلامي وردود الفعل التقليدية لدى البعض، أو فتح ملفات محيرة بجرة قلم متهورة، دون الإستفادة من التاريخ الكوردي القريب الذي يحفل بدروس طوقت أعناقنا وكادت أن تخنقنا أكثر من مرة.
هذه الحكومة إنتبهت جيداً الى خصومها غير الواضحين في الداخل والذين حاولوا عن قصد أو جهل أن يسيؤا إليها أمام الرأي العام ويوقعوها في الحرج، وأن يستغلوا عدم التقدير الناضج للمسؤولية الملقاة على عاتق البعض، والإجراءات الضرورية والأخطاء مهما كانت حجمها ليزيدوا من حجم الضغوط عليها وتشويه صورتها، ويتهموها بتغافل أوجاع الناس ومعاناتهم وعدم تلبية إحتياجاتهم الأساسية.
هنا لا نوجه أصابع الاتهام إلى جهة بعينها، حتى الذين أبتعدوا عن الحنكة السياسية ولم يتخذوا في الحسبان الأزمات الاقتصادية والأمنية والمرحلة التي تتصاعد فيها المشكلات، ولا نريد أن نتحدث عن وجود مؤامرة مكتملة الإركان في الداخل ومكتملة للمؤامرات الخارجية التي نعلم أبعادها، لكن من السهولة رصد مجموعة من تقديرات ومواقف سياسية واعتراضات علنية وأخرى صامتة، تؤدي الى رفع منسوب التفرقة والارتباك والغضب بين أوساط الرأي العام. ويمكن اعتبارها مغامرة مشكوك فيها وتعبيراً عن عقلية متكلسة لايهمها سوى تحقيق مصالح ضيقة تتعارض مع المصالح العامة، وتعني عدم الاكتراث بهموم الناس والعجز عن معالجة المشكلات.
وأخيراً نقول: بإمكان كل حزب سياسي كوردستاني أن يكون شريكا في الحلّ أو التصعيد، وبإمكانه أن يضيع وقته في التعبير عن المواقف والآراء المُضللة وخوض معارك إعلامية للفت الانتباه ومحاولة التحلل من عبء الأخطاء وتراكماتها، والإنجرار نحو صراعات داخليّة تصب في التخلص من المتنافسين على المواقع والمناصب الحزبية، لكن لن يكون في إستطاعته تغذية المزاعم والافتراءات بحق شركائه في الحكومة أو التحكّم بوحده في الوضع الكوردستاني، لأن هذا الأمر يؤدي الى السخرية والنقمة وتوترات تعرض الأمن القومي لتهديد لا يقل خطورة عما يأتيه من الخارج، ولا أحد يمكنه توقع أبعاده في المستقبل.
أما رواية الحكاية بين الأحزاب السياسية الكوردستانية وبين حكومة الإقليم طويلة والكل يعتبر نفسه فيها بطل وصاحب فضل وحق، ولكن مهما تنوعت الإدعاءات، هناك حقيقة واحدة سيسجلها التاريخ على الإطلاق وهى أن الخطر الذي يأتي من المخطئين في كوردستان يهيئ الفرصة لزيادة معاول الهدم الخارجية.