18 ديسمبر، 2024 10:44 م

ليس لدي ادنى شعور بأني كنت مخدوعا في هذه الحرب المزعومة على الدواعش ، ولكني ارثي حال البسطاء من عوام العراقيين الذين انساقوا اليها تحت ادخنة شعاراتها التي اعمت بصيرتهم وجعلتهم لايدركون ان من يقودهم لايقل وحشية عن عدوهم،ولربما اشد قسوة وغلاظة منه ولن يتردد في ان يبيعهم في لحظة ما ــ جُملة وتفسيخا ــ كما لو انهم ليسوا من ابناء جلدته ولاطائفته كما يدعي ويزعم إذا مااقتضت مصلحته ذلك.
الغريب ان هؤلاء الذين يشعرون في هذه اللحظات بأنهم قد خدعوا من قادتهم ومرجعياتهم مازالوا يخدعون انفسهم ولايقرون بأنهم قد خدعوا،ولديهم الاستعداد لأن يقبّلوا اليد التي خدعتهم ودفعتهم الى ان يذهبوا بإرادتهم الى محرقة الخديعة ،ومازالوا يثرثرون بحجج واهية مخجلة لكي لايعترفوا بأنهم قد خدعوا .
عندما توعد قيس الخزعلي زعيم ميليشيا مايدعى بعصائب اهل الحق بالثار من قتلة الحسين في الموصل قبل بدء معركة تحريرها من الدواعش ، كان يمارس فعل الخديعة على اتباعه الذين غُيّبت عقولهم في مستنقع الطائفية،وكان يعلم جيدا بأن الآخرين ليسوا بمغفلين،لكي تنطلي عليهم لعبته وتلاعبه بالالفاظ ،وفهموا جيدا ان ماكان يقصده بالثأر من قتلة الحسين ماهو إلاّ تدمير الموصل واستباحة دماء المسلمين السنة من اهلها ليس لانهم احفاد من كانوا مسؤولين عن قتل الحسين كما زعَم وادّعى في كلمته الشهيرة بهذا الخصوص، انما لانه كان تابعا ذليلا لطهران ينفذ حرفيا ماكانت تأمره به والتي لم تتردد في اختلاق الاكاذيب والاوهام لاجل ان تنتقم من الذين كانوا سببا في هزيمة احلامها باحتلال العراق في ثمانينات القرن الماضي،وحتى بعد ان افتضح ماكان يقصده الخزعلي وتعالت الاصوات منددة بما فاح من لسانه من قيح طائفي لم يفلح في التوضيح الذي اعلنه في ما بعد لتبديد تلك المخاوف.
ثم جرى ماجرى في الموصل القديمة من عمليات تدمير وقتل وحشية للمدنيين بفعل المدفعية والصواريخ التي كانت تطلقها القوات العراقية وتحديدا الشرطة الاتحادية ،وليس خافيا على من يتابع مجريات المشهد العراقي ان هذه القوات قد انحشرت فيها عناصر ميليشيا عصائب اهل الحق وفصائل اخرى لاتقل عنها تطرفا وتبعية لإيران تجاوزا للقرار الذي تم الاتفاق عليه مابين الحكومة العراقية والاميركية بمنع مشاركة فصائل الحشد الشعبي في معركة الموصل نظرا لحساسيتها من الناحية المذهبية.وفي مرحلة متاخرة من المعركة جاء طرد( حيدر الطليباوي)احد العناصر القيادية في ميليشيا العصائب من قبل الجنرال عبد الامير يار الله شخصيا قائد عمليات قادمون يانينوى بعد ان اوغل الطليباوي في تطرفه ووحشيته وهو يصدر الاوامر التي يوعز فيها بقصف المدينة بالصواريخ وقذائف المدفعية الثقيلة مما تسبب في سقوط عشرات القتلى بين صفوف المدنيين واحداث ضرر كبير في ابنية ومنشاءات المدينة الحيوية من غير ان يكون هنالك اسباب موجبة تقتضي هذا العنف المفرط خاصة وان عناصر داعش كانوا اعدادا قليلة جدا بالقياس الى المساحة الواسعة من الاحياء السكنية التي كانوا يتواجدون فيها.
وعلى عكس ما كان عليه قادة اجهزة مكافحة الارهاب من انضباط وحرص على حياة المدنيين بالشكل الذي قدموا فيه نموذجا عاليا من العسكرية العراقية التي تستحق الفخر بها وبجميع عناصرها كان قائد الشرطة الاتحادية الرائد شاكر جودت يتصرف بعنجهية واضحة كما لوانه ليس معنيا بأوامر وتعليمات القيادة العسكرية التي تدير المعركة انما ينفذ ماجاء على لسان زعيم ميلشيا العصائب قيس الخزعلي بالثأر من احفاد قتلة الحسين في الموصل، فتمادى كثيرا في قصف احياء المدينة القديمة بالصواريخ وقذائف الهاون والمدفعية الثقيلة طيلة ايام المعركة دون توقف حتى احالها على الصورة المرعبة التي بدت عليها ،وهناك شريط فديو موجود على شبكة الانترنت في موقع اليوتب يظهر فيه شاكر جودت وهو يتحدث الى عدد من الجرحى من افراد الشرطة الاتحادية اثناء زيارته لهم في المستشفى ويوعدهم بأن الموصل ستصبح حالها حال الفلوجة والرمادي وبيجي،بمعنى انه سيحيلها الى خراب كما حصل في تلك المدن .
الميليشيات المرتبطة بطهران مثل العصائب ومن ارتبط معها من الضباط والعناصر في الاجهزة الامنية والعسكرية مثل قائد الشرطة الاتحادية شاكر جودت كانوا قد اغلقوا اية خيارات ممكنة لتجنيب مدينة الموصل خسائر فادحة في الارواح والابنية والمنشاءات ومن ضمن ذلك فتح ممرات لكي يهرب من خلالها عناصر داعش باتجاه الصحراء ومن ثم اصطيادهم بالطائرات حتى ان حسن نصرالله زعيم حزب الله اللبناني كان قد انتقد وبشدة في احدى خطاباته المتلفزة الاميركان والحكومة العراقية لانهم سمحوا لعناصر تنظيم الخلافة بالهرب من الفلوجة والرمادي وحذرهم من مغبة تكرار ذلك في معركة الموصل واعتبر من يقدم على ذلك سيكون مجرما وارهابيا ، وعلى مايبدو فإن عناصر الحشد وخاصة العصائب الذين شكلوا الجسد الاكبر لقوات الشرطة الاتحادية قد التزموا بهذا التحذير واعتبروه امرا مُلزما يجب اطاعته وتنفيذه.بذلك تتحمل هذه القوات وفي مقدمتها الرائد شاكر جودت الجزء الاكبر من المسؤولية عن كل ماجرى في الموصل القديمة من تدمير وابادة ممنهجة طالما لم يضعوا في اولويات حساباتهم حياة المئات من المدنيين العزل المحاصرين بينما في المقابل لم يلتزم حسن نصر نفسه بما كان قد اطلقه من تحذير بمنع هروب عناصر داعش وسمح لهم بالهرب من المناطق التي كانوا محاصرين فيها في جرود عرسال التي تخلوا اساسا من السكان لانها جرود موحشة لاتصلح للعيش،ولم يكتف بذلك انما جهز لهم باصات مريحة لتنقلهم مع عوائلهم معززين مكرمين الى مدينة البوكمال عند الحدود السورية العراقية .
لم يعد هنالك من مجال للشك في ان المليشيات العراقية المرتبطة بطهران قد وضعت مصلحة العراق وشعب العراق في اخر سلم اولوياتها،وهذا ينسجم تماما مع موقف قادتها التقليديين عندما اختاروا الدفاع عن نظام طهران في الحرب العراقية الايرانية (1980 – 1988 ) في مقابل القتال ضد جيش بلدهم العراق .