24 ديسمبر، 2024 8:18 م

المخابرات العراقية 1968 – 2003 اسرار واسوار

المخابرات العراقية 1968 – 2003 اسرار واسوار

عنوان كتاب لضابط المخابرات العراقي السابق سالم الجميلي. فرغت من مطالعته قبل أيام والكتاب صادر عن مركز المسبار في الامارات في طبعته الأولى سنة 2023 ويقع في 386 صفحة من الحجم المتوسط وتكمن أهمية هذا الكتاب وفوائده للباحثين في الشأن العراقي عموما والشأنالأمني خصوصا في وضع سيرة او مسيرة جهاز أمنى من أخطر واهم الأجهزة الأمنية أيام النظام السابق منذ تأسيسه ولغاية سقوط النظام في نيسان 2003 وعلى يد احد العاملين في هذا الجهاز لعقود من الزمن فالرجل حسب ما مدون في سيرته الذاتية في نهاية الكتاب  الصفحة (386) تولد 1957 والتحق بالدورة الأولى لكلية الامن القومي في بداية تأسيسها سنة 1976 وتخرج منها سنة 1979 أي انه تخرج من كلية الامن القومي بعمر 22 سنة وانخرط في هذا الجهاز وواكب اثناء خدمته رؤساء ومدراء عديدون فضلا عن التغيرات السياسية في البلد واثرها على هذا الجهاز . وحتى اذا اخذنا في الاعتبار نسبة عدم الصحة او المبالغة  اعتقد ستكون نسبتها غير كبيرة كون الكتاب يتضمن وقائع واحداث لاتزال شريحة كبيرة من المجتمع قد عاشتها وهم احياء يرزقون ويفترض من يدعي كذب او عدم صحة هذه المعلومات ان يدلي بدلوه للتصويب ، ورغم قناعتي ان اغلب ما مدون في هذا الكتاب نسبة الصحة فيه كثيرة وربما كون مؤلفه يعيش خارج العراق حسب ما وصلني وهذا يتيح له حرية فيما يكتب علما انه تحفظ على ذكر الأسماء الصريحة لعناصر في المخابرات واكتفى بالترميز لأسمائهم في حين ذكر الأسماء الصريحة لشخصيات وجدت انها قد فارقت الحياة ، ومن الأمور المهمة والتي كانت الغازا يصعب الوصول اليها والتي تناولها المؤلف بشكل مفصل الهيكل التنظيمي والإداري للجهاز من اعلى الهرم نزولا فضلا عن اليات وطرق اختيار عناصر الجهاز والاليات المتبعة في الاختيار والصلاحية الممنوحة لراس الجهاز في نقل الي شخص في أي مؤسسة عسكرية او مدنية الى الجهاز دون الرجوع الى الروتين الإداري بين مؤسسات الدولة ، كما تطرق الى من تراس هذا الجهاز من بداياته ولغاية سقوط النظام وما تركته هذه الشخصيات من اثار على الجهاز سلبا او إيجابا ، ولا ينكر المؤلف استعانة الجهاز بالخبرات الأجنبية لتدريب عناصر المخابرات ومنها السوفيتية والروسية فيما بعد وكذلك عدد من الدول الاوربية منها الألمانية ، كما ان المؤلف لا يخف ان الجهاز كان يظم عناصر من الدول العربية كالفلسطينيين والمصريين عملوا في الجهاز ، كما لم ينف المؤلف عمليات الاغتيالات والتصفيات التي طالت العديد من المعارضين في الخارج او الداخل او من المنشقين ويذكرهم بالاسم مثل عبد الرزاق النايف واياد علاوي ومهدي الحكيم اما اهم هذه المحاولات التي يذكرها المؤلف فهي محاولة اغتيال الرئيس الامريكي بوش لدى زيارته الى الكويت  وغيرها من التصفيات التي نالت حتى المنشقين من جهاز المخابرات ، كما يشير الى ان هذه العمليات كانت لا تتم الا بموافقة من الرئيس . ورغم هذه التفاصيل المتعلقة بالتصفيات الجسدية الا انه تكلم عن أمور مهمة باختزال واختصار شديد رغم أهميتها منها موضوع تصفية فاضل البراك الذي كان مديره وعمل بأمرته حيث اختصرها بجملة فحوها موقفه من اجتياح الكويت وامور شخصية في حين اي باحث او متتبع يحتاج هذا الموضوع لتفصيل سيما من شخصية مخابراتية مخضرمة. ومن المفيد ذكره ان المؤلف يذكر بالتفصيل ملف المرحوم محمد باقر الصدر ويشير الى ان السيد الصدر في نيسان من عام 1980 ارسل احد رجال الدين المقربين منه الى مدير جهاز المخابرات (برزان التكريتي) وكان فحوى الرسالة انه سيترك العمل السياسي والحزبي ويتفرغ للمعرفة والكتابة ويرجو المحافظة على حياته ، يقول المؤلف ان تفسيرهم عن اختيار الصدر مفاتحة المخابرات بهذا الشكل هو خشيته من تهديد داخلي ويشير الى الامن العامة او تهديد خارجي ايران ، ويقول ان الجهاز عرض عيه القدوم الى بغداد وان الجهاز هيئة له دارا في سلمان باك كبير حتى يستقبل مريده ووافق على ذلك ، وقام برزان بمفاتحة الرئاسة بالأمر وقام الرئيس صدام حسين بإحالة الموضوع الى الامن العامة لبيان رائيهم . ويقول المؤلف فوجئ جهاز المخابرات باستدعاء الصدر الى الامن العامة إعدامه في اليوم التالي. ويعلق بالقول (يبدو ان الرئيس تجاهل راي المخابرات ووافق على راي مديرية الامن العام بعدم جدوى رعايته وضرورة التخلص منه وتم إعدامه في 9نيسان 1980). أرى ان صحة هذه الرواية في وقت كان برزان التكريتي مديرا للجهاز وفاضل البراك مديرا للأمن العام يدل على العقلية الأمنية لكل منهما في التعامل مع ملفات بهذه الخطورة وتقاطع وجهات النظر وراي الرئيس في مثل هذا الموضوع المهم في ذلك الوقت، والذاكرة ترجعني الى مؤلف فاضل البراك الذي أصدره في ثمانينيات القرن الماضي (استراتيجية الامن الداخلي) حيث يشير في هذا المؤلف الى موضع مكافحته والنجاح في التصدي لحزب الدعوى والتنظيمات الأخرى كالحزب الشيوعي وبقية التنظيمات المعارضة في تلك المرحلة.

اما عن أنشطة جهاز المخابرات الأخرى من استقطاب وتجنيد الشخصيات فيه تفصيل كثير حتى وصل الجهاز الى رؤوس كبيرة على المستوى الدولي او الإقليمي لا بل استقطاب او جعل بعض المعارضين يتعاونون مع الجهاز ويذكر كيفية التواصل معهم واستغلال ثغرات معينه لتحقيق غايتهم ومما يسوقه في الصدد كيفية التواصل مع احمد الجلبي وكذلك صلاح عمر العلي وغيرهم ، اما عن اهم الصراعات التي كان يخوضها الجهاز وخاصة أيام حرب ايران كانت مع المخابرات الإيرانية وحسب قوله انهم تمكنوا من اختراق هذا الجهاز بحيث نفذوا عدة عمليات داخل ايران منها تفجير البرلمان وكذلك محاولة اغتيال الخميني التي فشلت في اللحظات الأخيرة ويقول في المقابل ان المخابرات الإيرانية أيضا تمكنت من أحداث خرق في جهاز المخابراتالعراقي. ويبدو ان صراعا مخابراتيا قائما بين البلدين فضلا عن الصراع العسكري.

ويشير المؤلف الى النشاط المخابراتي قبيل الحرب واجتياح العراق من قبل أمريكا ومن معها والتحرك المستمر وبكل السبل لغرض منع وقوع الحرب واستعداد العراق حتى لشراء الذمم بالمال لشخصيات مؤثرة على الجانب الأمريكي او على بعض الدول في مجلس الامن وكذلك الوصول الى محمد البرادعي رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمسؤول عن ملف أسلحة الدمار الشامل في العراق بعد الاتفاق معهعلى تقديم تقرير إيجابي بحق العراق ينهي ملف أسلحة الدمار الشامل وبالتالي يسهم في إيقاف مشروع الحرب على العراق وكان الاتفاق لقاء مبلغ مليوني دولار وحسب ما يروي المؤلف ان الرئيس وافق على ذلك وتم تهيئة المبلغ الا ان الصفقة لم تتم لامتناع البرادعي عن التوقيع على استلام المبلغ  حتى على مجرد ورقه عادية خالية من الرسميات ويقول المؤلف ان ذلك يضمن ان المبلغ قد تم تسليمه لبراءة ذمة الشخص المعني بتسليم المبلغ واعتقد من خلال ما دونه مؤلف الكتاب بإيراد هذه المعلومة التفصيلية انه هو الشخص الذي كان مكلف بتسليم المبلغ ، وكان نتيجة ذلك ان البرادعي قدم تقريرا ملغما فيه ادانة للعراق وعدم تعاونه مع المفتشين اكثر من الإشادة بموقف العراق المتعاون وكانوبالتالي اصبح تقرير البرادعي احد مبررات الحرب على العراق ، وربما كان البرادعي يعلم ان الموضوع بحكم المنتهي وان أمريكا حسمت امرها بالحرب واسقاط النظام .

والخلاصة ان الكتاب فيه كم غزير من المعلومات سواء فيما يتعلق بجهاز المخابرات وهيكلته الإدارية التي ظلت مجهولة او بالنسبة للأنشطة التي مارسها الجهاز داخليا وخارجيا ولعل اهم ما في الكتاب أوراقه الأخيرة التي تناولت فترة ما قبل الحرب على العراق عام في نيسان 2003 والدور الذي لعبه الجهاز مع وزارة الخارجية العراقية لتلافي الحرب ولكن كل محاولاتهم باءت بالفشل ، يبقى ان نقول الكتاب وما جاء فيه اسوار واسرار يتحملها المؤلف ولكل من جاء ذكرهم حق الرد علما ان شاهدت بعض منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تطعن او تكذب بعض مما جاء بالكتاب لا بل ان بعضا منها تتهم المؤلف بتهم شتى منها العمالة او الخيانة والتواطؤ مع المحتل ، واعتقد ان الردود ينبغي ان تكون بشيء من الرصانة والموضوعية وليس من خلال تعليقات او مقاطع فديو على اليوتيوب لأناس بأسماء مستعارة او تخلو من السند .