طالعنا وزير الكهرباء الاسبق قبل ايام عبر تحليل تحت عنوان ” بدء العد التنازلي لرحيل اوباما ” وتناقله الناس عبر التواصل الاجتماعي ، طالعنا بنفس الوعود الوردية التي روج لها وبقية زملائه عندما عاد الى العراق مع القوات الامريكية 2003. وكان قد بدأ وعوده في حينه بترديد عزم الولايات المتحدة على توفير الحرية والديمقراطية للشعب العراقي بعد انتهاء حكم الفرد والعائلة. وقال ما هو الا وقت قصير وبغداد تسترجع من جديد احلام الف ليلة وليلة بكل معانيها. وقال ان الولايات المتحدة مصممة على تحقيق التقدم والازدهار في العراق الجديد وستسعد شعبه الطيب. وانها من اجل ذلك اختارته شخصيا لان يوفر الكهرباء المفقود في عموم العراق. ولم لا ، الرجل المناسب في المكان المناسب. والان يعود وزير الكهرباء الاسبق الى وعوده السابقة وبلون اخر في تحليل لمجريات الانتخابات الامريكية ، ويجزم ان ترامب قادم للادارة الامريكية لا محالة ، ليصلح الامور التي افسدها اوباما ومن مساؤها ان فتح الباب امام التدخل الايراني على الواسع ، وان الصقور في الحزب الجمهوري قد اطلعوه ، انهم سيعملون ومن اول يوم يتولى ترامب فيه الادارة ، سيعملون على اقامة نظام حكم ليبرالي فدرالي في العراق ، خالي من التجاذبات الدينية المنتشرة الان بكافة الوانها ، ويقلمون اظافر ايران واتباعها في العراق التي طالت وانتشرت ، ويعيدون كل فلس سرق الى خزينة الدولة بعد القصاص من سراقها.
يا ترى على من نعتب. أنعتب على كاتب التحليل وزير الكهرباء الاسبق ، وقد عفى نفسه من قبل الان من اي عتاب ، أم نعتب على مروجي التحليل حتى وصل الينا؟ كنا نريد ان نعتب على وزير الكهرباء الاسبق ، ولكن نعلم ان جوابه سيكون هذا ديدني الذي ينبغي ان يتقبله الشعب العراقي بشفافية . انا وفي ومن الوفاء ان اخلص للشركات الامريكية التي اعمل لمصلحتها ، تستنفع من مجهودي وانا بدوري استنفع من نفعها. ويذكرنا قائلا: كما عملت من قبل بشفافية واخلاص عندما كنت وزيرا ، سأعمل من جديد وفق نفس المنهاج.، ان وفق الله ترامب
ما اشبه اليوم بالبارحة؟ سمعنا هذه الوعود الجميلة لاول مرة عندما كانت القوات البريطانية تتسلل عبر الفاو الى البصرة سنة 1916. وما ان وصلت القوات الغازية بغداد حتى تبخرت كل هذه الوعود. ثم كررت الولايات المتحدة والمتعاونون معها نفس تلك الوعود الوردية . انظر الان ما حل بالعراق تحت مظلة الوعود الجميلة.
ما يحزنني ان اقوله ان العراقيين كانوا تواقين لسماع تلك الوعود الكاذبة في المرتين عسى ان ينتقل الحلم الذي كانوا يحلموا به الى واقع. في المرة الاولى عندما كانوا تحت وطئة الحكم العثماني المتخلف الذي عزلهم عن التطور الحضاري في العالم. وفي المرة الثانية عندما كانوا ايضا تواقين لسماع تلك الوعود عسى ان يخلصوا من حكم الفرد والعائلة وما جر عليهم ذلك من ويلات واحزان. واخشى ان يجد وزير الكهرباء الاسبق وامثاله ، تأسيسا على الظروف السائدة ، ان يجدوا الثغرة المناسبة لينفذوا عبرها الى قلوب العراقين لا سيما ان قلوب الناس تفقد الرؤيا تحت وطئة الظروف البائسة.
العراقيون ، حين تتوفر لهم البيئة الصالحة ، فأن ارضهم تثمر الامل والازدهار. فقد انبتت الارض العراقية التي توفر اصلاحها في السبعينيات ، السبعينيات فقط ، انبتت محو الامية وانبتت العلم وازدهار المجتمع وانبتت التنمية الاقتصادية الواعدة. وعندما انحرف المسار عن مجراه الصحيح ضاع كل شيء ولم يبق غير البؤس الذي هو وحده يخيم على العراقين حتى وجدوا انفسهم وجها لوجه مع الاحتلال ولا خيار اخر لهم غير تصديق وعوده.
بينما البيئة غير الصالحة او الفاسدة ، التي كانت طلائعها قد بدأت من قبل الاحتلال ، والتي ازاد الاحتلال واعوان الاحتلال من فسادها ، عادت غير صالحة الا لأنبات السحر والشعوذة والدعاء في المكان غير الصحيح. وللاسف اصبحت بيئة ملائمة جدا من جديد لان يصدق بعض الناس الوعود الكاذبة التي روجها الاحتلالين من قبل عسى ان يعثروا على الخلاص.
الطريق الواحد الباقي للشعب العراقي لان يخرج من هذا المأزق ، المأزق الذي لا يحسد احد عليه ، هو طريق الوحدة الوطنية ، وترك الماضي للماضي ، وفتح صفحة جديدة ، يسودها التسامح واحترام ثقافة الاخر. لا احد للشعب العراقي ، في ارجاء المعمورة ، الا نفسه.