23 ديسمبر، 2024 9:44 ص

سبق وذكر “جيمس بيكر” وزير الخارجية الأمريكية الأسبق،والذي انتدب رئيساً للجنة الخبراء في الشأن العراقي،بعد 9 / نيسان/2003،ونجح على إطفاء ديون العراق في العالم كله، لكنه لم يفلح مع الدول العربية “شقيقة العراق” كما تدعي. قال بيكر حينها:” أن انسحاباً فورياً للقوات الأميركية من العراق سيقود إلى حرب أهلية غير مسبوقة فيه” . دون أن يتحدث عمن سيوصل الأوضاع إلى هذا الحد في العراق، الذي أثرت فيه بعد الاحتلال(الكاريزميات)الدينية–الطائفية،والتوجهات التكفيرية والإرهابية ، والميلشيات العلنية والخفية.كما أكد (بيكر) إن الحرب الأهلية الطاحنة التي ستحدث عقب الانسحاب الأمريكي من العراق سيمتد لهيبها إلى المنطقة المجاورة. الوزير الأمريكي السابق ولجنته سربت ، حسب صحيفة “الفايننشل تايمز” ،استصوابها تجزئة العراق إلى ثلاثة أقاليم : “شيعي، سني، كردي” ، للخلاص من الأوضاع العراقية، والتي تم وصفها بــ”حرب أهلية قائمة فعلياً” أو إنها ” نذر لحرب أهلية قادمة”. أن ذلك ليس أول مقترح يطرح عن تقسيم العراق بناء على توجهات الإدارة الأمريكية ، فقد طبقه الحاكم المدني للعراق “بول بريمر” عندما أرسى الأسس الأولى للعملية السياسية في العراق عقب إسقاط النظام البعثي.حيث ترك العراق

فريسة سهلة لكل الأطماع الإقليمية والنوازع الإرهابية للتدخل في شئونه وعمدوا إلى تهديم مؤسسات الدولة فيه بقرارات مدمرة وارتهان الأفق السياسي لصعود الطائفية في الواقع السياسي عبر تشكيل مجلس الحكم المنحل ، وتجذيرها بدلا عن الخارطة الاجتماعية-السياسية و صعود المؤسسة الدينية بكل تلاوينها للواجهة الأولى في المشهد الاجتماعي-السياسي في بلد متعدد الطوائف والقوميات والأديان والمذاهب وأقصيت الهوية الوطنية العراقية باعتبارها القاسم المشترك الذي يربط العراقيين عبر تاريخهم ، وتم إدماج القوى التي تعتمدها في هيكلية مجلس الحكم عبر التوجه الطائفي وليس عبر تيارها السياسي وتوجهها الاجتماعي التنويري المعروف تاريخيا. قامت لجنة بيكر بتسريب تلك الوصفة لغرض انتخابي ولمساعدة الحزب الجمهوري في هذه الانتخابات بصعود نجم “المعتدلين” فيه بعد احباطات ” غلاة المحافظين الجدد” وأيدلوجيتهم التدميرية ، وأيضاً تلك التسريبات يمكن أن تعتبر،حينها، بالونات اختبار لقياس استجابة الرأي العام الأمريكي الذي بدأ يعي جيدا الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها الإدارة الأمريكية في العراق. وتنغماً مع هذا الطرح أطلق السيناتور الديمقراطي (بادين)-نائب الرئيس حالياً- مشروعه كذلك في ضرورة تقسم العراق، المثير في الأمر إن كل المشاريع التي تخص العراق تطرح من قبل الديمقراطيين وهي غير ملزمة للتطبيق بموجب الدستور الأمريكي، لكنها تطبق في زمن الإدارة الأمريكية الجمهورية، قانون (تحرير العراق) طرح في زمن الرئيس

الديمقراطي( كلينتون) وطبق فعلياً في زمن الرئيس الجمهوري (بوش). عد مشروع الجمهوري( بيكر) حينها غير ملزم(كذلك)، وتوصيفة( بيكر) حينها ما هي إلا ( النواة الأولية) لمشروع (بادين)،السيناتور سابقاً ، ونائب الرئيس (أوبما) حالياً، في (تقسيم العراق). بعد مجيء الرئيس (أوباما) تعمد إلقاء الكرة في مرمى الساسة العراقيين الذين لم يهدفوا لبناء عراق ديمقراطي- اتحادي، بل اندفعوا لتصفية حساباتهم فقط من خلال شراهتهم للسيطرة والتحكم على أجهزة السلطة التنفيذية الطائفية القامعة غالباً،والتهام المال العام بوسائل قذرة وخسيسة تكشف عن مدى فساد الضمائر وانحطاطها. إن التقسيم الذي سربته تلك اللجنة يروج إليه بصفته “فدرالية عراقية واقعية” لابد منها. معضلة العراق الراهنة، وفي ضوء الأخطاء المتواصلة المدمرة خلال ثمان سنوات واستمرارها سيؤدي إلى ” تقسيم للعراق” على أسس عرقية- طائفية، وسيخرج العراق من مجاله ومحيطه الحيوي ويصب، ذلك، في مطامع دول الجوار العراقي التي ستفترس هذه الكيانات الهشة وستعمد للتمدد على حساب العراق السابق الذي غدا فريسة تسيل لها لعاب دول الجوار المحيطة به والتي يقلقها حقاً انبعاث عراق ديمقراطي- فدرالي على حدودها ، و التقسيم يأتي تكريسا لوجهة النظر الصهيونية ، القديمة المتجددة، على “تفتيت الكيانات الكبرى” في العالم العربي. يخفف بعض المسئولين في البيت الأبيض من تلك التسريبات بأن “لجان الخبراء” ليست سوى استشارية وان توصياتها غير ملزمة لإدارة

البيت الأبيض وان ما سيعتمد من توصياتها فقط ما ينسجم مع سياسة الإدارة الأمريكية حول الوضع العراقي، حالياً، الكارثي جداً بسبب حجم التدخل الكبير في شئونه وتحوله إلى ساحة لتصفيات لا حد لها بين قوى خارجية وداخلية .في العراق الآن الأمن ووحدة العراق ونسيجه الشعبي بات “مركز الاهتمام الحالي لغالبية العراقيين. بعد أن شعر البيت الأبيض بتزايد تأثير التقييمات المختلفة راح الناطق باسمه يعلن بأن “السياسة الأميركية بشأن العراق يجري تعديلها باستمرار”، وهو ما يرتبط بقول الإدارة الأمريكية الحالية” إن هناك خيارات أخرى غير “المضي في الشوط إلى نهايته أو التخلي عن العراق، ما لم يتفق ساسة العراق ويعدل رئيس الوزراء الحالي توجهاته” وقد تم فتح الباب العراقي إلى إيران وغيرها للدخول العلني عندما أعلن عن إن “إيران ” يمكن أن تلعب دوراً ايجابياً في استقرار العراق” وبذا تم التراجع عما اُعتمد سابقاً من قبل الإدارة الأمريكية في إن إيران تتدخل” في الشأن العراقي عبر قوى عراقية متنفذة فيه “. ما الذي دفع الإدارة الأمريكية لتغيير نهجها علناً ودعوتها لتفاهمات إيرانية-أمريكية لمساعدة العراق حالياً؟!.وكيف تم التخلي عن إن (إيران) تدعم الإرهاب في العراق؟!.هل ستستجيب( إيران) للمساهمة في بسط الأمن في العراق بلا ثمن تدفعه الإدارة الأمريكية ؟. يتمثل بدءاً في تخفيف الضغط عنها؟. وطموحها النووي بالذات؟. لذلك لا يمكن الاعتقاد في أن لدى المحتلين للعراق ، سابقاً، ما يكفي من الوضوح و

الشجاعة للاعتراف بأخطائهم الفادحة،التي حولت العراق إلى بؤر للإرهاب و القتل والخراب المستمر ، وإعادة النظر بسياساتهم وقراراتهم أمام كل تلك الإخفاقات المريعة والمآسي المروّعة التي أحاطت بالعراق،وهذا الأمر يشمل كل ساسة العراق الحالي والذين ساهموا في العملية السياسية البرلمانية بالذات.بحكم موقع السيد (نوري المالكي) الذي استلم عراقاً قصم فيه ظهر القاعدة بخطة الجنرال(باتريوس) ومن خلال( الصحوات) ، لم يسع السيد المالكي للاستفادة من هذا الأمر ، وفرط، عن قصد لا يخفى، بهذا النجاح الكبير،لأسباب عدة، ووضعت (الصحوات)، بسياسة السيد (المالكي) تجاهها، بين ناريين، نار المخبر السري، المجهول ، و نار الخلايا النائمة، المنكسرة للـ(قاعدة) والتي قامت بالانتقام من قادة ورجال الصحوات ،وشمل الانتقام حتى عوائلهم ومنازلهم . العراقيون يأملون في مجتمع متحضر مدني يحكمه العقل وشرعة القانون والسلم الاجتماعي ، بدلا من هذا الصعود التكفيري والتخندق الطائفي، وتحكم الميليشيات ، الذي سيقضي على دولتهم الوطنية ويقصي حياتهم ويمزق نسيجهم الاجتماعي. في البدء لابد أن يعلن الجميع بوضوح لا لبس فيه استنكار العمليات الإرهابية التي قامت وتقوم بها عصابات (داعش) ومن يؤيدها ويساندها ويقف معها سراً وعلناً في العراق وخارجه،وجميع مَنْ يحاول إعادة العراق ،مهما كان اسمه وشكله وشعاراته، إلى ما قبل 9 / نيسان/ 2003 . ان نتائج الوضع العراقي ومستقبله سيؤثر على كل دول الجوار الإقليمي

المحيطة به وعلى منطقة الشرق الأوسط عموماً ، وسيكون حجم الدمار كبيراً وربما عالمياً بسبب الأهمية الإستراتيجية للمنطقة . ومع ذلك فأن الوضع العراقي قابل للإصلاح إذا تم تفعيل مشروع” المصالحة والحوار الوطني”- ليس بين المتصالحين كما جرى سابقاً- ويجب أن يأخذ هذا المشروع مداه الفعلي السياسي- الوطني، عبر ” حكومة إنقاذ وطني” لا يقصى أحداً فيها، ويتم تفعيل ذلك عبر تنازلات متبادلة بين الأطراف العراقية السياسية المتخاصمة، فلا بغضاء أو خصومة اجتماعية بين سكان العراق بكل مكوناته، وإعلان العفو العام والشامل عن المسلحين ،باستثناء القتلة من جميع الجهات، على أن يترافق ذلك مع ما يوصف بـ “التنازلات المؤلمة” بين الأطراف السياسية العراقية ، دون مَنْ تلوث بالدم العراقي مهما كان، بعيداً عن الفئوية والتخندق الطائفي والقبض على السلطة بأي ثمن ، والاحتكام للدستور العراقي الحالي على نواقصه، والسعي لتعديله ،على وفق ما تم الاتفاق عليه عند ليلة الاستفتاء على هذا الدستور ذاته.