لقد كان لتفسير المحكمة الاتحادية العليا الخاطئ للفقرة اولا من المادة 76 من الدستور النافذ في العام 2010 الاثر المباشر في الفوضى السياسية القائمة الان حين أجازت اسقاط النتائج الاؤلية للانتخابات واعتمدت سياسيا لا قانونيا الائتلاف بعد ظهور النتائج تحت قبة البرلمان الضييقة متجاوزة قبة الانتخابات الرحبة باعتبارها الأداة القانونية للوصول بالمرشح إلى هذه القبة ، لقد كان لذلك التفسير ان أفقد الانتخابات لذتها وعرسها التسابقي والمعبر عنها بالفوز في المضمار الانتخابي لا الفوز بالائتلاف الرضائي لان المشرع أراد بالكتلة النيابية الأكثر عددا ، هي تلك الكتلة التي حصدت اعلى الاصوات للتو او على الفور بعد انتهاء العد والفرز واظهار النتائج ، لا الكتلة المشكلة بعد ظهور النتائج لانها ستتكون من تجمع كتل او احزاب الخاسرين بالقياس الى كتلة الفائزين للتو ،كما وان المشرع هو نفسه من اشرف على انتخابات عام 2006 ، والتي جاءت بالوزارة المالكية الاؤلى لحصول قائمة الائتلاف الوطني انذاك على اكثر الأصوات الانتخابية فور اعلان النتائج . وهنا أعود لأذكر السادة اعضاء المحكمة ان الانتخابات البريطانية (ام الديمقراطيات في العالم ) لعام 2010 ، أدت إلى حصول حزب المحافظين على الأغلبية غير المريحة والتي لا تمكنه من تشكيل الحكومة لوحده ، لا ان الملكة توجهت لدعوة ديفيد كاميرون باعتباره زعيما لحزب المحافظين لتشكيل الوزارة كونه الحزب الذي حاز على أعلى الأصوات حال ظهور النتائج ، مما اضطره بعد التكليف للتحالف مع حزب الوطنيين الأحرار الذي حاز على 57 مقعدا نيابيا لضمان تمرير الوزارة تحت قبة البرلمان أي ان التحالف تم بعد ظهور النتائج ، ويمكن التحالف قبل اجراء الانتخابات وفق الاسس التي استقر عليها العمل السياسي في العالم الديمقراطي ووفق ما استقر عليه الفقه الدستوري وعلم النظم السياسية ،
ان ما يجري حاليا هو تحصيل حاصل ما ذهبت اليه المحكمة ، خاصة وان البرلمان لم يشهد ولادة الكتلة الأكبر تحت سقفه عام 2018 ، وأن الذي حصل هو اتفاق الكتل في صالونات الاحزاب على تعيين عبد المهدي ليرأس الكابينة الوزارية ، وما كان على البرلمان الا الموافقة على التعيين ، بتعبير اخر ان التكليف كان مخالفا حتى لما نطقت به المحكمة الاتحادية العليا، لان البرلمان لم يشهد التثبيت الرسمي للكتلة الاكثر عددا وهذا هو السبب في عدم توفر الحضور القانوني للكتلة الأكبر اليوم أمام البرلمان ، وهو مأزق لا حل له الا بالعودة الى اسس وثوابت الديمقراطية والإقرار بأن مضمار الانتخابات هو الحل الأمثل المتبع في كل تجارب الشعوب الديمقراطية …