المحسوبية مصدر من محسوب وتعني إسناد الوظائف وإعطاء المنح والترقيات على أساس الرعاية والنفوذ وليس الكفاءة .
وهي أيضا تعني إعتبار القرابة العائلية أو السياسية في إسناد الوظائف , فتجعل الحسب والنسب في المقام الأول بدلا من العمل.
وعندما تتفشى المحسوبية في الدول , ينخرها الفساد وتتدهور الأحوال ويسود التراخي والإهمال , وتنتفي قيمة الكفاءة ودورها في الحياة.
ويبدو أن هناك توجه مقصود لعدم الحديث عن المحسوبية , لأن الدول الفاشلة قد صارت تعمل بمناهج المحسوبية وتترجمها بإندفاعية هائلة , وبعضها تحايلت على المصطلح أو المفهوم وأدخلت في دساتيرها مسميات كالمحاصصة , التي في جوهرها تعني المحسوبية , إذ يتم إنتقاء وتعيين وتوظيف من لهم علاقة بهذا الحزب أو ذاك أو هذه الفئة أو تلك , بغض النظر عن الكفاءة والجدارة والأهلية , ولهذا شاهدنا هيمنة الفساد وديمومة الفشل الإداري والسياسي على جميع المستويات.
ومنذ أن تأسست الدول وموضوع المحسوبية يُشار إليه ويُحذّر منه , حتى في كتابات وأنظمة الحضارات القديمة كالسومرية والفرعونية , وفي زمننا المعاصر تجد مجتمعات ذهبت نحو الديمقراطية لكنها أسست لأنظمة حكم مبنية على المحسوبية , مما تسبب بإخفاقات وخسائر كبيرة.
ولا يمكن لمجتمع مهما كان قويا وثريا أن يتواصل بأمن وسلام , إذا إنطلقت آفة المحسوبية نشطة تنخر في أوصاله , وقد كان لهذه الآفة دورها في الحياة السياسية العربية , وهي من أبرز العوامل التي أدت إلى مقتل الخليفة الراشد الثالث , ومضت على أنها من أركان إنهيار الدول وأنظمة الحكم حتى في الزمن الحالي , والعديد من حكام العرب تساقطوا بسبب إحاطتهم لأنفسهم بالأبناء والأقارب , متجاهلين الكفاءة والقدرة والخبرة اللازمة لبناء الدولة وتحقيق الطموحات الوطنية والشعبية.
واليوم تجدنا نعيش تحت ظل أنظمة حكم متدثرة بالمحسوبية , ونسمع عن إبن فلان وقريبه وشقيقه ومَن يرتبط بعلاقة قربى معه قد تسنم هذا المنصب وهذه الدائرة , وصار من أصحاب الأمر والنهي ومن الذين ينهبون يمينا وشمالا , ويحسبون السحت الحرام رزقا من ربهم الذي يعبدون.
وهذه ظاهرة سلوكية خطيرة تستدعي التصدي والمواجهة الشديدة الحاسمة , وإلا فأن أي مجتمع تستشري فيه المحسوبية يؤول إلى حطام , ولن تقيه العمائم واللحى من التحول الحتمي إلى ركام!!