اضحي في حكم الامر الواقع اليوم انقسام حكومات العالمين العربي و الاسلامي و ابرز القوي و الاحزاب السياسية فيهما الي محورين؛ الاول يتشكل بصورة أساسية من عواصم الرياض – أبوظبي – القاهرة، و الثاني من عواصم الدوحة – طهران – انقرا ..
اضحي الموقف من اي حديث اقليمي أو دولي أو محلي يعتمد علي قرب و انحياز متخذه من هذه العواصم أو تلك!
عواصم كانت ملء السمع تدفع اليوم ثمن صراع المحاور هذا (دمشق، و صنعاء، و طرابلس) و عواصم لها وزن تقف اليوم مرتبكة إزاء هذا الانقسام (بغداد، الرباط، الجزائر العاصمة، جاكرتا، و اسلام اباد..)
لم يكلف احد نفسه مشقة السؤال عن أصل هذا الصراع و الانقسام، كما ليس لكلا الجانبان مصلحة في ان يثور هذا التساؤل اذا يتباريان في اثارة الجلبة و الغبار..
يزعم البعض ان الانتماء لجماعة الاخوان (انقرا و طهران) أو القرب منها (الدوحة) و العداء لها (محور الرياض-ابوظبي – القاهرة) هو ما اساس الاختلاف.. لكن اسئلة عديدة تنهض في وجه هذا الطرح..
فمنذا متي اضحي “اخوان حسن البنا” جوهر في العالم الاسلامي (سياسياً أو دينياً) يمثل الانتماء أو العداء له اساساً صالحاً للالتفاف حوله و الانقسام علي اساسه؟ و تلك الجماعة لم تتجاوز منذ تأسيسها طور الفزاعة و المخلب؟ فقد كانت و لا تزال فزاعة الانظمة المصرية و مخلب انظمة في المنطقة استخدمتها ضد عبد الناصر ابان فورة إنقلابات الضباط الاحرار علي الانظمة الوراثية؟!
صحيح انها كانت تتجاوز دورها احيانا و تخرج عن النص لكن سرعان ما تتم إعادتها إليه (محاولة اغتيال عبد الناصر و اغتيال السادات؛ و حتي حكم محمد مرسي لا يعدو كونه خروج مدروس عن النص)!!
ثم هل ما يحكم انقرا و طهران و الدوحة هو مبادئ الاخوان؟ ام ان القومية التركية و الفارسية لها كعب اعلي من مقولات البنا و سيد قطب؟ انقرا التي تحتمي ايضاً بمظلة حلف الناتو و لم يقل احد من فقهاء السياسة الاخوانية ان هذا موالاة “للكفار”! فيما للدوحة مآرب اخري، و لها اغراض من استضافة “أخوان يوسف القرضاوي” مثلما لها اغراض من استضافة مقر القيادة الوسطي الاميركية (انظروا اليهما كيف يتجاوران في وئام؟!).
بهذا الانقسام اصبح علي القوي السياسية و المدنية و حتي الدينية في المنطقة ان تختار تحت جناح و رحمة اي من المحورين تحتمي! خصوصاً في ظل ادارة اميركية يسيطر عليها شعبويين لا شأن لهم بالكثير مما يدور (في العالم الخارجي) و حكومات اوروبية تعالج ازمات اتحادها المتصدع .. و اتحاد روسي و صيني يسعي لاستعادة ارث امبراطورية القياصرة و تركة الشيوعيين!
إذاً الراجح عندي انها محاور متوهمة و اصطناعية الغرض منها احتواء الحراك الواسع الذي فعّلته ثورات الربيع العربي تمهيداً لوأده في مهده، فكلا المحورين ليسا مرحبان بالتغيير و لا بالاصلاح و لا من دعاة ديمقراطية و حكم قانون و حقوق انسان، الاخوان يحفلون بكون اردوغان منتخب “ديمقراطياً”، منذ متي كان الاخوان يحفلون بالانتخابات أو الديمقراطية؟!! هم يزعمون ذلك تمهيداً لينفضوا ايديهم من الديمقراطية بحجة ان الآخرين رفضوها، و تلك حيلة بالية، اردوغان ليس منتخباً إلا مثلما ان هتلر منتخب و ترامب ايضاً منتخب، كلهم منتخبين لكنهم ليسو ديمقراطين و علي استعداد للانقلاب علي الديمقراطية متي ما سنحت فرصة، قبضة اردوغان الديكتاتورية بدأ يضيق بها حتي اقرب معاونوه “عبد الله غول و أحمد اوغلو” كما ان تنكيله بقيادة حزب الشعوب و بالاكراد، و كثيرين اخرين بحجة المحاولة الانقلابية الفاشلة اضحي عملاً دكتاتورياً مفضوحاً، أما تعديله للدستور ليلائم مقاسه و هواه فهو مرتبة رفيعة في الديكتاتورية لم يبلغها القيصر الروسي “بوتين” و امبراطور الصين الجديدة “تشي بينغ” إلا مؤخراً!
ان بلداً يعدل دستوره ليلائم شخص مهما كان عظيماً هو بلد دخل نفق الاستبداد.
اذاً تلك محاور متوهمة و علي القوي الديمقراطية التصدي بحزم لمحاولات تسويقها في بلدانها.