23 ديسمبر، 2024 6:06 ص

المحامي وضوابط ومعايير العمل السياسي

المحامي وضوابط ومعايير العمل السياسي

لما كان المحامون…شأن كافة التجمعات المهنية داخل المجتمع، يوحدهم ويجمع بينهم مصير مشترك، إلا أنهم خارج نطاق المهنة خليط غير متجانس فكرياً وسياسياً وأيديولوجياً، فلكل منهم اتجاهه الفكري والسياسي والايديولوجى، فإذا كان الجميع ينتمي إلى نقابة واحدة ويمارس مهنة واحدة، إلا أن انتماءاتهم السياسية والحزبية متباينة ومتعددة ومتعارضة في كثير من الأحيان .
أن المشاركة السياسية هي السياج الأمين والداعم للديمقراطية، والمحامون في الطليعة دائماً من هذه المشاركة السياسية، ويرى البعض من  ان أصباغ النقابة بالصبغة السياسية لأعضاء المجلس أو النقيب كانت هي الشرارة التي أوقدت الصراع داخل نقابة المحامين، والتي أوجدت المناخ الخصب للنظام الحاكم دوماً لمحاولة التدخل في شؤون النقابة ومساندة طرف ضد طرف عند حدوث الانقسام، وهو ما أدى إلى زيادة فجوة الانقسام والشقاق بين أبناء المهنة الواحدة .
هناك فرق بين المحامى الفرد في ممارسته لحريته السياسية وبين النقابة في ممارسة هذا الدور، وهذا الفرق يظهر أكثر وضوحاً، من جانب آخر وهو أن حق المحامى الفرد يتمثل في حقه في حكم بلاده، وحريته في أن يكون نائباً أو ناخباً، وحريته في الانضمام للأحزاب السياسية، وحريته في تناول القضايا العامه بالنقد وإبداء الرأي بشأنها، فإن هذه الحقوق الممنوحة للشخص الطبيعي لا يمكن للنقابة كشخص معنوي ممارستها إلا في شقها الأخير وهو حقها في تناول القضايا العامه بالنقد وإبداء الرأي بشأنها، وهذه القضايا العامة منها ما هو سياسي وطني ومن ثم فهو محل أتفاق كافة فئات المجتمع ومنها ماهو سياسي حزبي ويكون محل اختلاف وصراع بين الجهات التي تسعى للوصول للحكم فمن ثم ينحصر الدور السياسي للنقابة.
 فالقضايا السياسية الوطنية التي تحافظ على ثوابت الأمة وأساس المجتمع وتمسكه هي قضايا غالباً ما تكون محل ومجال لاتفاق أبناء المجتمع ومن ثم فهذه القضايا يتعين على النقابة أن تدلى بدلوها فيها، وهو ما حرصت عليه النقابة منذ نشأتها.
ونحن نرى أن دور النقابة السياسي الوطني يجب أن يشتمل على الحفاظ على ثوابت المجتمع من حيث الحفاظ على الحريات العامة في ضوء الضوابط القانونية المتعارف عليها في فضاء الحريات وكذا الحفاظ على الأمن القومي الخارجي من حيث الحفاظ على استقلال حدود الدولة وعدم انتهاكها وكذا المحافظه على الأمن القومي الداخلي والمتمثل في النظام العام بعناصره الثلاثة وهى الصحة العامة والأمن العام والسكينة العامة فكل ما يمس ذلك يتعين على النقابة أن تتصدى له وتبدى الرأي بشأنه .
كما يجب للنقابة أن تحافظ على الشرعية الدستورية وسيادة القانون وحقوق الإنسان، لأنها من ثوابت النظام الديمقراطي.
أما المسائل السياسية الحزبية والتي هي محل خلاف بين أبناء الوطن الواحد لتعدد واختلاف الرؤى والتوجهات والإيديولوجيات فإنها حتماً ستكون محل خلاف داخل النقابة بين أبناء المهنة.
عليه من حق للمحامي أن يضطلع بدور كامل وفعال في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية لبلده سواء عن طريق العضوية في حزب سياسي أو هيئة تشريعية أو منظمة غير حكومية وعلى مثل هذا الحزب أو الهيئة أو المنظمة أن تحترم تماماً استقلال المحامي عند عمله بصفته المهنية وألّا تسعى لتقييد هذا الاستقلال وعلى المحامي عندما يقوم بأعماله المهنية أن يخلع عنه رداء السياسة وأن يرتدي رداء المحاماة.
 وتظاهرت لدي  عدة ملاحظات تستوجب من المحامي مراعاتها في الحياة السياسية، وتتمحور بما يلي:
•        1- يجب على المحامي أن يعمل على صهر شخصيته المهنية بشخصيته الوطنية وأن يدافع عن وطنه واستقلاله ويعمل على رفع شأنه وأن يقدم مصالح وطنه ومجتمعه على مصالحه الشخصية.
      2-  المحامي ملزم بوضع المصلحة العامة أمام عينيه وتفضيلها على مصلحته الشخصية أو مصلحة موكله في جميع النـزاعات التي تعرض عليه.
•                    3- يجب ألَا يكون هدف المحامي في عمله المهني تأمين مصلحته الشخصية السياسية او المادية  أو حب الظهور وإيجاد مكانة له، قد تكون سياسية او حزبية او غيرها، في المجتمع على حساب قضايا موكليه وقضايا الوطن.
•        4- اذا ما تصارعت الفكرة العامة مع المصلحة الخاصة، على المحامون ان لا يترددوا  في أن ينبذوا المصلحة الذاتية وأن يفسحوا للفكرة العامة مكاناً في نفوسهم.
•        5- يجب على المحامي أن يقف لصالح كل قضية تتعلق بالوطن وبكرامة الوطن وفي دفع أي ظلم موجه للوطن وفي توجيه الشعب توجيهاً صحيحاً وفي صيانته من أن تلعب الأهواء الضارة بكيان الوطن.
•        6- باستثناء حالة النقد والتحليل الموضوعي والتقويم لا يجوز للمحامين، مهاجمة القوانين أو السلطات القائمة بهدف سياسي او حزبي ولتحقيق المهاجمة والتجريح ليس إلا.
•        7- على المحامي في ترافعه في القضايا السياسية أن يكون دقيقاً في مقاييسه ووزنه للكلام وألّا يخرج عن الذوق واللباقة في النقد المشروع وألّا يتجاوز حدوده وأن يوضح قضية موكله وفق مفهوم الموكل دون أن يضطر إلى اتخاذ موقف معاد من السلطة ابتغاء إلى إيجاد معذرة لموكله.
•        8- هناك ضرورة بان يحافظ المحامي على استقلاله، وألّا يتخذ من المرافعة او المحاكمة سبيلاً لعمل سياسي لا يقصد منه سوى معاكسة السلطة مما قد يحمل القضاة على اتخاذ موقف ليس في صالح موكله.
•        9- يتمتع المحامي كسائر المواطنين بحقه في الرقابة، وإذا ما أملى عليه ضميره واجباً في مراقبة أعمال السلطات العامة فلا شيء يمنع المحامي من إظهار ذلك للرأي العام وهذا الحق مشروط بأن يلتزم المحامي باحترام القانون مهما كانت الظروف، فالحدود الضرورية لحرية الدفاع هي الاحترام الضروري لكل القوانين وعلى المحامي أن يعتدل في أشكال كلامه دون أن يخل ذلك بحزمه في مواقفه وأن يبتعد عن السباب والشتائم والصياح، لتحقيق اغراض سياسية او حزبية.
•        10- ان واجب المحامي الأخلاقي عند مثوله أمام المحاكم خصوصا، الجنائية، لمحاكمة في قضايا سياسية؛ ألَا يرفض المرافعة أو يتهرب من واجب الدفاع، ولو كان المقصود بمرافعته أن يمد المدعي او المتهم ببعض الشجاعة في مواجهة المحنة التي يعانيها أو لأجل أن يبعث المحامي الشكوك في نفس القضاة، بحيث يحملهم في صالح الموكل قدر الإمكان.
•        11- لا تتدخل النقابة ولا سلطان لها على المحامي في الاتجاه السياسي الذي يعتنقه طالما أن الفكر السياسي الذي ينتهجه لا يدعو إلى إتباع العنف واستخدام السلاح بمواجهة صاحب الرأي الآخر أو لا يدعو إلى ارتكاب جرائم ضد سلامة الوطن واستقلاله ووحدة أراضيه.
•        12- يجب على المحامي أن يمارس مهنته مستقلاً عن أي توجيه او فكر سياسي او حزبي، ومتحرراً من أي ضغط أو تخوف واضعاً نصب عينه دائماً أنه عندما اختار مهنة المحاماة اختار الحرية والاستقلال والكرامة، وعليه أن يتفهم هذا ويعيشه في سلوكه، وأن يجعل الآخرين يفهمون هذا، ويعونه؛ لأن في ذلك تقديراً لشخصه ولمهنته.
•        13- لا يحتاج المحامي أن يكون عضواً في مجلس الشعب أو البرلمان حتى يناقش القوانين ويطلب تعديلها في كل مناسبة مهنية أو اجتماعية أو سياسية فهو إن لم يكن له القرار في التعديل فإن له القرار الدائم وفي أي وقت مناسب أن يقترح ويتحدث في سبيل التطوير والتحديث.
•        14- لا يجوز حض المواطنين على عصيان القوانين والطعن فيها لأجل التأخير لإغراض سياسيه والطعن بالقوانين ونقدها، عمل مشروع بشرط أن يكون داخل إطار الدعوى.
•        15- عندما يشارك المحامي في مؤتمر أو لقاء خارج بلده يعتبر رسول أمته وبلده ونقابته في علمها وثقافتها، وفي سلوكها وآدابها وفي شرفها وأمانتها وفي لباقتها وخفة ضلها، وفي تقريبها من القلوب وتحبيبها إلى النفوس، ويسأل المحامي مسلكياً إذا ما خرق تلك الصفات والواجبات.
•        16- على المحامي أن يمتنع عن القول أو النشر بوصفه مدافعاً أو مستشاراً فيما يخالف القوانين واللوائح وأمن الدولة والطمأنينة العامة وبناءا على توجهات سياسية او حزبية او غيرها، وعليه ألّا يخرج على قواعد الاحترام والوقار الواجبين للمحاكم والسلطات العامة.
•        17- للمحامي أن ينتقد أحكام المحاكم ويقدم الطعون فيها من غير أن ينتقد أو يطعن في القضاة اللذين أصدروها وأن يعبر عن رأيه في استقلال تام، بدون أي دافع سياسي في التشريعات وأعمال السلطات ومن غير أن يطعن في تلك القوانين أو في السلطات وأن يحتج في حده وعنف ضد إجراءات الاتهام.
•        18- يجب على المحامي ألّا يعلن عن أمور يجب أن تبقى في طي الكتمان وألّا ينصح بمخالفة القوانين، أو الأنظمة العامة بناءا على اجتهادات او اهداف سياسية، وألّا يقوم بما يمس أمن الدولة والسلام العام، وأن يحترم المحاكم والسلطات العامة.
•        19- لا تقتصر وظيفة المحامين على الدفاع عن حقوق موكليهم أمام القضاء فحسب، بل يراقبون حالة التشريع، وكيفية تطبيق القوانين في البلاد، ويرفعون بوساطة مجلس القضاء الاعلى او وزارة العدل أو عن طريق نقابتهم اقتراحاتهم لإصلاح هذه القوانين أو تعديلها.
•        20- يجب أن يأخذ المحامي دوره الضروري في خدمة الدولة بما يقدمه مع زملائه في مناقشات القوانين والأنظمة تؤدي إلى زوال الغموض فيها وعدم تعارضها مع بعضها أو مع الدستور.
•        21- إن احترام المحامين للقوانين النافذة لا ينفي اعتقادهم بأنها غير معصومة من الخطأ وإن أحكامها تتبدل بتبدل المكان والزمان وأنه على المحامين دوراً رائداً في مضمار التطوير والتعديل رغم الصعوبة في ذلك، على ان يكون ذلك على خلفية قانونية بعيدا عن اي فكر سياسي او حزبي.
•        22- حظر أبداء المجلس لرأيه في الأمور السياسية بوجه عام سواء كانت سياسية وطنية أم سياسية حزبية إلا بعد عرضها على الهيئة العامة لتقرها بالإيجاب أم الرفض.
•        23- المحامي صوت من لا صوت له، فعليه ممارسة السياسة الوطنية بعيدا عن ممارسة السياسة الحزبية؛ وان يبتعد عن ممارسة العهر السياسي والإعلامي، ويقدم نفسه لوسائل الاعلام على انه مناضل ثوري.
ونقول اخيرا:
لم توضع قواعد مهنة المحاماة لمصلحة خاصة (مع أن خيرات تلك القواعد تعود على المحامين) وإنما وضعت من أجل المصلحة العامة التي تتحقق بتحقيق العدل بين الناس جميعاً.