18 ديسمبر، 2024 6:50 م

المحاصصة ومزاد بيع وشراء المناصب الوزارية

المحاصصة ومزاد بيع وشراء المناصب الوزارية

قلنا وأكدنا سابقاً لن يكون هناك إنفراجا سياسياً تاما وراء تشكيل الحكومة المقبلة ، يعد تشكيل ائتلاف «إدارة الدولة» الخطوة الأبرز التي سبقت إعلان تكليف محمد شياع السوداني بتشكيل حكومة توافقية جديدة، أي وفق استمرار نهج تشكيل الحكومات العراقية منذ 2005 وحتى الآن، حيث الآلية المتبعة في تقاسم الوزارات والمناصب بين الكتل السياسية مع غياب واضح لدور المعارضة البرلمانية الحقيقية، وبالتالي فإن كل الفرقاء السياسيين تقريبا شاركوا في حكومة محاصصة سياسية كما جرى في الحكومات السابقة، وسيبقى الكل يشتم المحاصصة وما أفرزته من تخادم وصفقات فساد وتحول الإدارات الحكومية إلى اقطاعيات للأحزاب السياسية، التي نهبت المال العام وحولته إلى لجانها الاقتصادية لتستمر عجلة الخراب دائرة في العراق, وأبواق الأحزاب الحاكمة تحاول التصدي والتشكيك والتضليل لكل كلمة حق تقال ، و « كل حزب بما لديهم فرحون » ، فما زال مصطلح الإستحقاق الانتخابي والمحاصصة يتصدر المشهد السيئ ، ومزاد بيع وشراء المناصب الوزارية يتم الاتفاق عليها برعاية اقليمية ,, وقالت مصادر، إن خلافات بشأن 8 حقائب وزارية أدت لتأجيل إعلان الحكومة العراقية الجديدة بقيادة رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني, وكشفت المصادر أن قادة الإطار التنسيقي في العراق اتفقوا خلال اجتماع بمكتب رئيس تحالف الفتح هادي العامري، على ضرورة حسم تشكيل الحكومة ومنحها الثقة خلال موعد أقصاه الأسبوع المقبل, وأوضحت أن الخلافات مستمرة داخل القوى الشيعية وكذلك السنية على بعض الوزارات وخاصة السيادية منها، مشيرة إلى أن رئيس الوزراء المكلف محمد شياع السوداني استقر على تسمية 14 وزارة من أصل 22 . وأضافت المصادر أن “خلاف القوى الشيعية يحتدم على وزارات الداخلية والمالية والنفط”، فيما “ينقسم السنة بشأن وزارتي التخطيط والدفاع”، لافتة إلى أن “الصراع الكردي بين الحزبين الديمقراطي والاتحاد الوطني الكردستانيين يتركز على وزارات الخارجية، الإعمار والإسكان، والعدل
التسريبات الأولية عن تقاسم الوزرات الشيعية رسمت خريطة لتوزيع وزارات الإطار التنسيقي الذي سيحصل على 12 وزارة، وسيتم توزيعها كالاتي: دولة القانون ستحصل على ثلاث وزارات هي: النفط، والتعليم العالي، والزراعة. وتحالف الفتح سيحصل على خمس وزارات هي: الداخلية، والكهرباء، والاتصالات، والنقل، والعمل والشؤون الاجتماعية وسيتم توزيع الوزارات بين القوى المنضوية في ائتلاف الفتح وهي: عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، وكتائب سيد الشهداء، ومنظمة بدر. أما تحالف المستقلين ضمن قوى الإطار فستكون حصتهم وزارتين هي: الشباب والرياضة، والموارد المائية.كما أفادت بعض التسريبات أن هناك اتفاقاً مبدئياً داخل الإطار التنسيقي على أن تبقى مناصب التيار الصدري في موقعها، وأن يبقى منصب الأمين العام لمجلس الوزراء لحميد الغزي وكذلك وزارة الصحة تبقى بالوكالة بإدارة الوكيل هاني العقابي. وأن الكتل السياسية ستقدم ثلاثة مرشحين لكل حقيبة وزارية، ليختار منها الرئيس المكلف محمد شياع السوداني أحد الأسماء لمنصب الوزير. ويحاول البعض أن يلف ويدور ويناور على حقائق باتت واضحة كالشمس في العملية السياسية العراقية، ويقدم بعض المحللين معلومات متفائلة بخصوص حكومة محمد شياع السوداني لاعتبارات وأنه من عراقيي الداخل وليس ممن قدموا من الخارج، وهو لا يحمل سوى الجنسية العراقية وليس مثل سابقيه في رئاسة الحكومات السابقة من مزدوجي الجنسية، وإنه ابن الطبقة الكادحة وبالتالي سيعمل لخدمتها, وكون محمد شياع السوداني ابن هذه العملية السياسية منذ يومها الأول عندما عينه الإسلاميون عام 2003 قائممقام العمارة ثمنا لنضال عائلته في حزب الدعوة الإسلامية، وتدرج بعدها ليصبح محافظ ميسان، ثم وزيرا لوزارة حقوق الإنسان عام 2010 في حكومة المالكي، ثم نائبا في البرلمان عام 2014 عن كتلة «دولة القانون» التي يرأسها نوري المالكي، قبل الإعلان عن انسحابه من الحزب في العام 2016 وتأسيسه حركة «تيار الفراتين». كما أنه لم يتسن له الترشح هذه المرة لرئاسة الحكومة إلا بدعم المالكي وأحزاب الخراب التي سيطرت على ساحة الفعل السياسي العراقي منذ عقدين.
إذا كانت القوى والأحزاب السياسية في العراق قد توصلت إلى اثنين من الاستحقاقات الدستورية فانتخب البرلمان رئيساً للجمهورية وسارع الأخير إلى تكليف محمد شياع السوداني بتشكيل حكومة جديدة، فإن هذا النجاح يظل محفوفاً بالمخاطر والعوائق. فمن جهة أولى يلتزم التيار الصدري الصمت حول هذا التكليف، إذْ لم يكن راضياً عن الاسم، وقد أعلن رفض المشاركة في الحكومة وقد يلجأ إلى التعطيل. ومن جهة ثانية سوف يخضع الشياع لإرادة قوى الإطار التنسيقي التي جاءت به، وبالتالي فإن سلبيات صراع الأحزاب سوف تنعكس على جهود التشكيل، عدا عن الفضيحة المدوية الأخيرة وسرقة أمانات ضريبية بقيمة 3.7 ترليون دينار عراقي ولا تغيب عنها أيادي اللصوص الكبار من الساسة المتنفذين.
رفض مقتدى الصدر المشاركة بحكومة يشكلها مرشح الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني، الأمر الذي أثار العديد من الشكوك والتساؤلات عن مستقبل التيار الصدري، ومدى قدرته على المناورة والتكيف في ظل الواقع السياسي العراقي الجديد، خصوصا وان عملية تشكيل الحكومة ومن خلال التجارب التي عاشها العراق، يمكن أن تستمر لأشهر، لتكون النتيجة في النهاية، بعيدة عن مطالب الإرادة الشعبية التي حملتها انتفاضة العراقيين في تشرين الأول/أكتوبر.
إن التحديات التي ستواجه حكومة السوداني هي ذات التحديات التي واجهت الحكومات السابقة، فهل يستطيع السوداني أن يقدم خدمات الكهرباء والماء والصحة والنقل أفضل من سابقيه؟ وهل يستطيع إنقاذ الاقتصاد المتهاوي المرتبط بسعر النفط والذي سينهار مع أول هزة في أسعار البترول العالمية؟ وهل يستطيع السوداني محاربة الفساد، وتكويناته تحيطه إحاطة السوار بالمعصم؟ وهل سيضبط الأمن ويسيطر على السلاح المنفلت؟ بالتأكيد هذه التحديات كبيرة، كما أن جماهير التيار الصدر ستكون واقفة له ولحكومته بالمرصاد، ومن المتوقع أن ينزل الصدريون عاجلا أم آجلا للشارع في تظاهرات واعتصامات ستشل عمل الحكومة، وربما تطيحها كما أطاحت جماهير تشرين حكومة عادل عبد المهدي. فهل يستطيع السيد السوداني محاربة الفساد ؟ وهل ستكون حكومته اصلاحية وخدمية؟ الحقيقة كل الحقيقة، إن العراق غارق بالفساد، وأساس هذا السرطان هي المحاصصة البغيضة التي أصبحت نظاماً للحكم في العراق منذ سقوط النظام السابق ولحد الآن،، وإن غذاً لناظره قريب.