من الفلسفة السياسية ان الشعب يظهر بمستويين وله مفهومان مختلفان، الأول المستوى الإجتماعي، والثاني المستوى السياسي، والقصد من الأول مجموع الأشخاص الذين يعيشون ضمن حدود دولة، سواء كانوا رجالاً او نساءاً ، أغنياء او فقراء، بمختلف القوميات والمذاهب كانوا، ضمن حق المشاركة السياسية في إطار الدولة ، بمعنى أن الشعب هو صاحب الارادة في السلطة والمشاركة السياسية، أي المواطنة.
ثمانون عاماً من حكم الأنظمة العراقية المختلفة وحتى سقوط صدام، كان يجب ان يكون تاريخ لمشروع بناء الشعب العراقي ودولته من لا شيء، بعيداً عن الصراعات الدائمة والابدية بين الدولة القوية والمتمكنة والمكونات التي لا تستسلم ولا تتخلى عن هوياتها المخالفة لفلسفة الدولة. في هذا التاريخ تغيرت الكثيرمن البلدان ، وبقى العراق دون تغيير و أكثر بعضهم على البعض بالحقد . وزاد من عملية العرقنة اولئك الذين لم يكونوا اصلاء في عراقيتهم ، على الأقل حسب التعريف الرسمي، زادت من ردود الفعل وفرقت أكثر مما قرّبت. أصبح الشعب بمعناه الاجتماعي أكثر حماسة للتوجه الى الهوية المحلية، سواء اثنية أومذهبية او القومية اوالعشائرية بعد ان كانت رحمة في مجتمعنا.. كي تحمي المستجير وتعود المريض وتتواصل مع الفرحان وتواسي الحزين وتعيل المعوز لكن سوء التعامل طاش بالحقيقة عن هدفها . العراق بعد سنواته 15 الاخيرة جرّب التوافق السياسي والمصالحة السياسية، وبصراحة كانت النتيجة غير مرضية للجميع واعطت اكل غير سليمة ، ولم تنفع العراق، والكل يتهم الحكومات السابقة بأنها لم تقدّم شيئاً للعراقيين وهذا كلام صحيح بسبب وخلوا المسؤولين من التخصص والتجربة والكفاءة والمقدرة وتفشي الفساد في مفاصل مؤسساته والارهاب الذي احتل الاراضي العراقية واباح كل شيئ فيه. واصبح العراق بئرة للفساد والجريمة التي تنوعت أسبابها ، وتتعدد مشاربها، وتتباين مصادرها، لكن مصبها واحد.. في دمار الفرد والمجتمع، تسكب حمماً منصهرة البركان، ذابت فيه الصخور مستعرة، من جوف الأرض الى سمت السماء، لتقع على رأس العراقيين، طيلة آماد من أفق الزمان والمكان، كما تداعت بين حروب و“حصار و عقوبات دولية” وإحتلال رهيب وإرهاب وفساد وإحتقان طائفي، أفضى الى فصم عرى الولاء الوطني، الذي إستبدل بالتمظهرات الطائفية والعشائرية، وتلك هي أم الجريمة، وجذر إنفلاتها من عقال الدستور، الذي يتحيد، أمام إكتساح الطائفية العشائرية له.
ولا يخفى على الجميع حتى الانسان البسيط، ان من اسباب دمار البلد وتراجعه هي المحاصصة المقيتة التي خرجت من الباب لتدخل من الشباك باساليب حديثة يراد منها تهدءة البركان والحمم وهي الآلية التي يلعنها معظم أقطاب العملية السياسية العراقية كما هي العامة من ابناء الشعب ، ويرمي الجميع عليها سهام الغضب الجامح بتحميلها مسؤولية الخراب الحاصل منذ عقد ونصف ، وإن لا مكان للفساد الذي يشكو منه القاصي والداني في العراق حاليًا، إلا في نظام المحاصصة،، التي فتك بالبلاد، وأرجعته الى عصر الجهل والتخلّف، بعد كل عواصف التحالفات الانتخابية بين الكتل السياسية في العراق والاكتمال الجزئي لتشكلاتها والاصطفافات فيما بين الكتل لمفردها ، النظام المتداول الحالي لم يخلق معارضة حقيقية بالعراق كما كانت تدعي لان الكتل الكبيرة وحتى الصغيرة المشاركة في الانتخابات لا تميل لها وتعتبر المعارضة خسارة ثقيلة وفق الموازنات التي تم امرارها خلال السنوات الماضية ، فكل من كان يشتم الحكومة من الأحزاب والكتل رغم كونهم لديهم تمثيل فيها بما لا يقلّ عن وزيرين أو ثلاثة ومناصب أخرى. حتى أنّ روح أو معنى الانتخابات تلاشى بفعل ذلك، إذ بات الناس يسألون إذا كانت الأمور بالتوافق ، وتكون بين السنة والشيعة والأكراد مناصفة وهو الحاصل .
المحاصصة اعادة الكرة مرة اخرى من خلال انتخاب رئيس البرلمان ونائبيه احدهما شيعي والاخر كوردي ،حيث حصل محمد الحلبوسي من الطرف السني برئاسىة مجلس النواب ولكن بالتصويت بعد ان ترشح 4 نواب انفسهم بعد انسحب عدد اخرمنهم والان بدأ الجدل العراقي حيال رئيس مجلس الوزراء ومن سوف يكون صاحب الحض و حول شكل الحكومة القادمة ، والتي من المحتمل انبثاقها بعد ان تم انتخاب رئيس مجلس النواب و نائبيه و هل ستكون توافقية كما كانت طيلة السنوات التي أعقبت عام 2003 في العراق وتقوم على تمثيل سني وشيعي وكردي بشكل رئيس كما شاهدناها في تشكيلة مجلس النواب ، أم يتم الذهاب نحو حكومة أغلبية سياسية ولكن يظهر ان هناك تفهمّ من أطراف في العملية السياسية بأن العراق لم يصل لدرجة التعافي من المرض، لكن يمكن طرح حكومة تكنوقراط بجهاز قضائي صارم وهيئة نزاهة حرة بلا ضغوط، لبدء عملية الإصلاح في السنوات الأربع المقبل واحتماله ضعيف.
ان الكثير من السياسيين وعدو الشعب بحكومة الاغلبية السياسية وانهم لم ولن يقبلوا بغيرها وهذا يتطلب من الذي وعد بحكومة الاغلبية السياسية وسعى من اجل تحقيقها اذا حصل على الاغلبية بشكل الحكومة والتي فعلا لم تتحقق في هذه الانتخابات ولازالت الكتلة الكبيرة غير معلومة بسبب ان كل كتلة تفسر الدستور وحتى قرارات المحكمة الاتحادية وفق رايها فالبعض يعتمد على رئيس الكتلة في توقيعة والبعض الاخر يقول ان الاكثرية يجب ان تذيل بتواقيع كل النواب المشاركين في الكتل لتقدمه لرئيس مجلس النواب لكي تكلف بتسمت مرشح لرئاسة الحكومة منها ، و لم يحصل ان تذهب اي كتلة للمعارضة ومن المعلوم ان حكومة الاغلبية السياسية تتكون من صورتين صورة المعارضة وصورة الحكومة ووجود المعارضة هي الدليل والبرهان على وجود الديمقراطية في البلاد والحكم ديمقراطي وعدم وجود المعارضة دليل على عدم وجود الديمقراطية والحكم الاستبدادي دكتاتوري سوف يستمر. والحقيقة ان أول من اسس للمحاصصة هو الاحتلال، مع تأسيس مجلس الحكم، وكانت تلك النواة الاولى لانطلاقها، فمجلس الحكم تأسس على اساس القومية والطائفية، بحجة التوازن والمشاركة في الحكم بين الأقليات والقوميات العراقية، ولَم يأسس على اساس الغالبية السكانية، او على اساس الكفاءة والاستحقاق. و إن إجراء إصلاح جذري للمنظومة السياسية هو السبيل الوحيد لإنقاذ العراق من دورة التقلبات المتواصلة. تعكس مثل هذه الدعوات للتغيير صدى التململ والغضب المتفشّيين على نطاق واسع في أوساط العراقيين، كما كان يجب ان تخلق الأجواء السياسية في العراق بعد الانتخابات فرصةً من أجل إعادة هيكلة السياسة وترسيخ عملية الانتقال من الحرب إلى السلم ما يستند البقاء السياسي إلى مواجهة التحديات الاجتماعية في العراق، وهي تحدّيات هائلة بالفعل .
والمؤسف ان أراد حسم الخلاف في الدولة العراقية مفقودة بسبب التأثيرات الاقليمية والدولية ولم يراد لها خلال السنوات 15 الماضية لانها ليست إفرازاًت الأمة، وليست ناتجة من وعي او نتيجة نضاله او صيرورة تاريخية نحو الأحسن، وإنما هي مخلوق مستورد من الخارج، بدعة ناتجة من تقاسم المصالح وتوزيع الكعكة على المنتصرين وحسب أمزجة الغالبين. فبدل من أن يكون الشعب خالقا للدولة على صورته، جاءت الدولة والشعب يواجه مشكلة اللاشعب.