مثلما كانت كلمة «التغيير» الكلمة الاكثر تداولا اثناء الحملة الانتخابية، اصبحت جملة «المجرب لا يجرب» الاكثر ترديدا خلال فترة تشكيل الحكومة. فقد تكررت كثيرا وبصياغات مختلفة في تصريحات وخطابات السياسيين وناشطي المجتمع المدني الى جانب المراجع الدينية.
وعكس ترديد هذه الجملة وتأكيدها هو كذلك، الشعور بالحاجة الى التغيير وضرورته، حيث تشابكت خيوط الازمة وتعقدت وتجلت في جميع اوجه الحياة، ودفعت بالعراق الى المجهول، خصوصا بعد اجتياح داعش للموصل وتمددها لتحتل ما يقارب ثلث مساحة البلاد، وما تركه ذلك كله من مخاطر حقيقية وتحديات كبيرة. ومن هذه المخاطر فقدان القدرة على الدفاع عن المواطنين وعلى توفير الأمن والاستقرار، ما شجع القوى المعادية على ان تستهتر بالعراق وابنائه. وما جريمة سبايكر الا احد تجليات هذا الاستهتار بحياة وسلامة حتى منتسبي قواتنا الأمنية. لذلك كان لا?بد من احداث التغيير، الذي ينتشل العراق من الوضع الذي هو فيه.
غير انه وكما اتضح في ما بعد، ما من محل لهذه الكلمة وتلك الجملة في قاموس المتنفذين، الذين تمسكوا بمنهج المحاصصة الطائفية والاثنية، فجاءت تشكيلة الحكومة الجديدة برئاسة السيد حيدر العبادي لتصدم المتطلعين الى إحداث التغيير، فها ان كل شيء على حاله ولم يتغير، بل جاءت التشكيلة الوزارية لتكرس المحاصصة باوضح صورها.
وانت تتابع جلسة مجلس النواب التي صوتت على تشكيل الحكومة، وتنظر امامك الى الشخصيات التي سبق لها تولي مناصب تنفيذية مهمة في الفترات الماضية، والتي تلكأت في تأدية مهامها واخفقت في واجباتها، فاسهمت في تأمين الجو المناسب لقوى الارهاب كي تمارس جرائمها البشعة التي يندى لها جبين الانسان، ووفرت مناخا ملائما للإرهاب ولمؤسسة الفساد التي تمترست في مفاصل الدولة، ورعت الفاسدين وغير الاكفاء الذين يتولون ادارة مفاصل مهمة في اجهزة الدولة.. وانت تشاهد تلك الجلسة يتبادر الى ذهنك سؤال واحد: ما الذي تغير حقا؟ بل كيف فهم ال?تنفذون التغيير؟ وهاهم يجربون المجرب مرة اخرى!
كما ان هناك تباينا في فهم معنى التغيير، هناك من يحصره في تغيير الشخصيات لا غير! ولكن حتى هذا النوع من التغيير لم يتحقق، حيث غابت معايير المواطنة والكفاءة والخبرة والنزاهة عن متطلبات التكليف، كما ان رئاسة البرلمان لم تكلف نفسها توزيع السير الذاتية للوزراء على اعضاء البرلمان. ثم ان طريقة التصويت التي اعتمدت في الجلسة لم تكن نظامية كما يجب، لذلك فالتغيير الذي تطلع اليه العراقيون جميعا حين توجهوا الى صناديق الاقتراع في الانتخابات العامة الاخيرة، بقي هدفا يتطلعون اليه والى تحويله الى واقع.
نعم، انهم المتنفذون وقد فرضوا مرة اخرى «تجربة المجرب»، رغم الكوارث التي حلت بالعراقيين وما زالت تهددهم، مرسخين بذلك نهج المحاصصة الطائفية والاثنية الذي اعتمدته العملية السياسية حتى الآن، فخلف لنا كل هذا الموت والخراب.